الاصولية الامريكية
عن الدين والسياسة في أميركا (*)
المستقبل - الاثنين 22 آذار 2004 - العدد 1551 - رأي و فكر - صفحة 19
محمد السمّاك
إذا كان يجوز لي تلخيص كتاب الدكتور طارق متري عن الدين والسياسة في أميركا بعبارة واحدة، فلا أجد عبارة أفضل وأدق من تلك التي بدأ بها الأستاذ غسان تويني مقدمته لهذا الكتاب وهي: "حتى يفهم واحدنا ما يجري اليوم في العالم، وبنوع أخص في الشرق الاوسط، يجب أن يُعَمِّق معرفته بنظرة أميركا إلى الدين والدنيا لأنها منطلق استراتيجيتها السياسية، وبالتالي تصرّفها العسكري الذي يطمح إلى التفرّد بالتحكم في العالم".عندما ترجمت في 1989 كتاب "النبوءة والسياسة prophecy and politics" للفقيدة المرحومة غريس هالسل (كاتبة خطابات الرئيس الاميركي الأسبق ليندون جونسون) استوقفتني في الكتاب عبارة تفسّر ما قصده الأستاذ تويني. قالت هالسل: "في كل مرة يجتمع فيها مجلس الأمن القومي الأميركي لاتخاذ قرار يتعلق بالشرق الاوسط، كان يُدعى إلى حضور الاجتماع أحد كبار قساوسة الحركة الانجيلية الحقباتية (التدبيرية)lndespensatonalism حتى يأتي القرار متوافقاً مع الايمان بالنبوءات التوراتية التي تقول بها هذه الحركة".لا بد من التأكيد على أمور عدة تشكل العمود الفقري للكتاب هذه الامور هي:أولاً: إن المجتمع الاميركي مجتمع متدين. إن 90 بالمئة من الاميركيين يؤكدون أنهم يؤمنون بالله. وأن الدين يشكل عنصراً مهماً في حياتهم وأن 40 بالمئة منهم يرتادون الكنيسة أسبوعياً (ص24).ثانياً: إن القوى الدينية المحافظة تشدد على فكرة الشعب المختار (ص15) وليس على الأصول الدينية للمسيحية (ص16).ثالثاً: إن الخط العام للمسيحية الانجيلية هو خط ليبرالي يختلف عن خط المحافظين والأصوليين في مسائل العقيدة والاخلاق والعلاقة بين الدين والسياسة (ص16).رابعاً: إن البروتستنتية المسيحية ليست متهودة (ص18).خامساً: ليس كل الانجيليين المحافظين صهاينة (ص18).سادساً: يشكل تنصيب رئيس الجهمورية مناسبة لتأكيد إعطاء الشرعية الدينية لأعلى سلطة سياسية (ص27) فالسلطة للشعب ولكن الحاكمية لله (ص28).سابعاً: توجد في الولايات المتحدة 1586 جماعة دينية حسب إحصاء 1988 (ص 32).ثامناً: مع ذلك يؤمن 25 بالمئة من الاميركيين بالتنجيم حسب استطلاع 1997 (ص33) (وهنا أشير على سبيل المثال إلى الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان وزوجته السيدة نانسي).لاحظ المؤلف كيف تمسكت كل جماعة من الجماعات المسيحية الشرقية بهويتها الاصلية، رغم الضعف الذي أصاب أحياناً العلاقة الفعلية مع الكنيسة الام والوطن الام. وفي حالة الارثوذكس الروس والانطاكيين، لم يؤد انضمام بضعة آلاف من البروتستانتيين المحافظين، الباحثين عن أصالة كنيسة أو المنجذبين نحو الروحانية الارثوذكسية، إلى تغيير ملحوظ في موقع المسيحيين الشرقيين على الساحة الدينية الاميركية.يقدم د. متري مجموعة من الاحصاءات المهمة ترسم الخريطة الدينية في المجتمع الاميركي. من هذه الاحصاءات ان 140 مليون أميركي، أي أقل بقليل من نصف مجموع السكان أعضاء في جماعات دينية، يتوزع الـ140 مليون منتسب إلى "كيان ديني" على 66 مليون بروتستانتي و62 مليون كاثوليكي و6 ملايين يهودي و4 ملايين من المورمون، و16 مليون من المسلمين ومليون واحد من المسيحيين الارثوذكس و200 ألف من أهل الديانات الشرقية البوذية ـ الهندوسية... إلخ).من خلال هذه اللوحة الرقمية العامة يدخل إلى صلب الخاص وهو صعود الحركة المحافظة عند منتصف القرن العشرين. وهو صعود ينسب إلى الواعظ بيلي غراهام ويرى ان المحطة الابرز في تسييس الدين جرت في انتخابات عام 1980 عندما دخلت حلبة المنافسة السياسية هيئات مسيحية محافظة مثل "الأكثرية الأخلاقية" التي أسسها القس جيري فالويل، محذرة من الكارثة التي ستنزل بأميركا بسبب ابتعادها عن المسيح وسقوطها في الانحطاط الخلقي. ورافق هذا التحذير وعد بأن الله "سوف يبارك أميركا إذا ما باركت أميركا الله".لا بد هنا من توضيح ما يلي: لقد اعتمد المؤلف في إشارته إلى هذا الامر الديني ـ السياسي على كتاب جون بتلرReligion in America ، غير ان غريس هالسل في كتابها prophecy and politics تنقل عن فالويل نفسه قوله "أن الله يبارك أميركا لأنها تساعد وتدعم اسرائيل". وترددت هذه العبارة أيضاً على لسان بات روبرتسون وجيمي سواغرت وسواهما من الذين ساروا على نهج بيلي غراهام.وقبل الرئيس الحالي جورج بوش كان الرئيس الاسبق رونالد ريغان من أكثر رؤساء الولايات المتحدة تأثراً بأدبيات هؤلاء الوعّاظ. وعندما أشار د. طارق إلى ذلك (ص79) قال: "صحيح أنهم أيدوا رونالد ريغان وأنه كان على صعيد المشاعر والأفكار والأقوال قريباً منهم. إلا أنه لم يلتزم على قدر كاف تحقيق السياسة التي وعد بها ولم يحقق الآمال التي انتعشت في مخيلة الانجيليين المحافظين لجهة منع الاجهاض والعودة إلى إلزامية الصلاة الجماعية والعلنية في المدارس الرسمية". وعندما يتحدث المؤلف عن البعد الديني لقرار الحرب على العراق يلاحظ الدكتور متري انه في معرض التهيئة للحرب على العراق إذا ما اكتفينا بذكر هذا المثل، لا يخفي الاميركيون الذين تحمسوا للغزو إيمانهم بدور خاص لأميركا في تاريخ العالم. وإذا ما تحفَّظوا من استخدام عبارات مثل "الامة المختارة" فإن حديثهم عن القيم الاميركية وشجاعة الاميركيين وصلاحهم كشف عن نظرة إلى الذات والآخر مطبوعة بالماسيانية. تشهد على كل ذلك أقوال كثيرة للرئيس جورج بوش الذي لم يكتف بالقول أن أميركا ستأتي بالحرية للعراقيين، بل ذكرفي خطاب له يوم 26 آذار ـ مارس 2002 ان "رسالة" الجيش الأميركي حيثما حل هي تحرير المقهورين".مع ذلك يقول المؤلف (ص 79) ان الانجيليين المحافظين "اليوم أقل تأثيراً مما كانوا في العقد الأخير من القرن الماضي. وليست قياسات الرأي العام المتوفرة حاسمة على هذا الصعيد، ذلك انها شهدت في الفترة الاخيرة مداً وجزراً لا يؤيد ثبات هذا الاتجاه أو ذاك". هنا أيضاً لا بد من القول انه إذا اتخذنا من مواقف ومن قرارات الرئيس جورج دبليو بوش مقياساً فإن هذا المقياس يؤيد اتجاه المد. ولكن ربما يتحتم علينا ان ننتظر نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة لنعرف ما إذا سيكون بعد هذا المدّ جزر.رسم د. متري في كتابه علامة استفهام في ذهني عندما قال (ص81) "لم يحرض الانجيليون المحافظون بشكل واسع وسافر ومنظم على كراهية المسلمين". حملت علامة الاستفهام هذه إلى الفصل الثالث من الكتاب. فوجدت فيه نقلاً أميناً ومختصراً لنصوص واضحة عن مشاعر كراهية الاسلام (وليس كراهية بعض المسلمين أو حتى جميعهم) أدلى بها إعلام الانجيليين المحافظين. غير ان ما يقلقني أكثر هو ما لاحظه الدكتور متري من أن أصحاب المواقف المسيحية المنفتحة على أهل الاديان الاخرى والساعية إلى علاقة أكثر إنصافاً بين الولايات المتحدة وبلدان العالم، وهم أكثرية داخل النخبة الليبرالية المتدينة، أضعف نفوذاً داخل المجتمع الأميركي مما توحي به حسابات الارقام الباردة. لقد كان موقف الكنائس والمجالس الكنسية العربية والعالمية أساسياً للتأكيد على أن فكرة الحرب الاستباقية لا تنسجم أبداً مع فكرة الحرب العادلة (ص100). وحسناً فعل د، متري عندما استشهد بقول للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والذي كان واعظاً انجيلياً قبل أن يصبح رئيساً، قال فيه (ص103): "بوصفي مسيحياً ورئيساً أميركياً واجه أزمات دولية كبيرة صرت أكثر إدراكاً لشروط الحرب العادلة وبات واضحاً لدي أن هجوماً أحادي الجانب على العراق لا يستوفي هذه الشروط".لقد أشار المؤلف إلى الوثيقة الصادرة عن "معهد الدين والديموقراطية" الذي انتقد تأييد الكنائس الانجيلية المحافظة السافر وغير المشروط لإسرائيل والذي دعا في الوقت نفسه (ص115) إلى "الإصغاء إلى كنائس المنطقة، وتفهّم الأسباب التي تدعو معظم المسيحيين في العالم العربي إلى معاداة اسرائيل، والدعوة إلى سياسة متوازنة لحل النزاع بين اسرائيل والعرب".مع ذلك فإنه من السذاجة توقع استجابة هذه الكنائس لهذه الدعوة. فكما ينقل د. متري في ص123 عن أحد قساوستها وهو في الوقت نفسه رئيس الحزب الجمهوري في ولاية جورجيا رالف ريد "ان ما من برهان أقوى على سيادة الله في عالم اليوم مثل بقاء اليهود ووجود دولة اسرائيل" (ص123).وعندما اجتاحت اسرائيل لبنان في عام 1982 لم تجد ـ كما قال د. متري في الصفحة 136 ـ من يدافع عنها بالقوة التي ظهر فيها موقف الانجيليين المحافظين. وهذا ثابت ومؤكد. وأود أن أضيف إلى ذلك دليلاً رمزياً وواقعياً في الوقت نفسه، وهو أن الجنرال شارون عندما وصل إلى بعبدا على متن دبابته الميركافا، كان يرافقه القس بات روبرتسون. ثم هل يمكن أن ننسى محطة إذاعة وتلفزيون الشرق الأوسط التي كانت تبث من الجنوب عندما كان الجنوب يرزح تحت الاحتلال الاسرائيلي؟ وهل ننسى أن المقاومة اللبنانية ضربت المحطة مرتين، ونجحت في المرة الثانية في توقيفها بعد مقتل مديرها القس روبرتسون نفسه (وهو غير القس بات روبرتسون)؟لقد خصص د. متري الفصل الخامس من الكتاب لأبعاد التحوّلات الدينية في الولايات المتحدة واستشهد بقول لعالِم الاجتماع بريان ولسون يقول فيه: "ان الكنائس الأميركية ظلت تتمتع بشعبية كبيرة لأنها تخلت عن الكثير من دينها".وفي نظر د. متري "لقد تحوّل الانجيليون المحافظون عن مسيحية المحرومين إلى بروتستانتية الازدهار، ومن هاجس الآخرة إلى هموم الدنيا".في اعتقادي أن هذا صحيح، ولكن هذا الغنى والثراء يوظف أساساً لدعم اسرائيل ولتمويل مشاريعها الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة.يبقى التأكيد على أن كتاب د. متري يشكل بكل موضوعية مرجعاً لا غنى عنه لفهم الخلفية الدينية للمجتمع الأميركي. وهذا الفهم هو المدخل العريض إلى حل الألغاز المحيطة بعملية اتخاذ القرار السياسي الأميركي في الشرق الأوسط.(*) ألقيت بمعرض الكتاب بأنطلياس احتفاءً بكتاب طارق متري الجديد الصادر عن دار النهار: "مدينة على جبل، عن الدين والسياسة في أميركا".
============================
السياسة الأمريكية ونبوءات التوراة والإنجيل
ستناول في هذا الفصل مسألة تأثير نبوءات التوراة والإنجيل ، على القرارات السياسة الأمريكية ، وخاصة ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ، لنفهم أبجديات هذه السياسة المنحازة لإسرائيل ، والمعادية للعرب والمسلمين بشكل عام ، والتي اجتهد الكثير من المحللين في تفسيرها وتحليل دوافعها . وخير من تعرّض لهذه المسألة ، وأفاض في بحثها هي الكاتبة الأمريكية ( غريس هالسل ) في كتاب ( النبوءة والسياسة ) ، وهو من منشورات ( الناشر للطباعة ) ، ط3 1990م ، ترجمة محمد السمّاك . ملخص مقدّمة المترجم ( بتصرف ) :يمثل العالم العربي موقعا متميزا وفريدا من نوعه ، في عملية صنع القرار السياسي الأمريكي ، فبالإضافة إلى أهمية موقعه الجغرافي ، وكونه سوقا تجارية استهلاكية ، ويملك أكبر احتياطي من النفط ، فإن هناك عامل آخر ، يتقدم على كل هذه العوامل ، وهو تأثير الفكر المسيحي الديني ، على صياغة القرار الأمريكي ، المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي . حيث نشأ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الماضي ، ما يسمى بالصهيونية المسيحية الإنجيلية القائمة على اعتناق ثلاثة مبادئ :أولا : الإيمان بعودة المسيح ،ثانيا : أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ،ثالثا : وبالتالي تجمّع اليهود في فلسطين .وقد لعب هذا الأمر دورا أساسيا ، في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ، وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها ومساعدتها ، وإعفاءها من الانصياع للقوانين والمواثيق الدولية . وأن شريعة الله وحدها - التوراة – هي التي يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين ، بما أنهم شعب الله المختار .ونتيجة لهذه المعتقدات ظهر الكثير من الحركات الدينية المسيحية الإنجيلية الأصولية في بريطانيا والولايات المتحدة ، وأهم وأخطر هذه الحركات هي ( الحركة التدبيرية ) ، التي نشأت في الولايات المتحدة بعد قيام دولة إسرائيل . وتضمّ في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ، لحظة تأليف هذا الكتاب في أواسط الثمانينيات ، ومن بين أعضائها الرئيس الأمريكي آنذاك ( رونالد ريغان ) وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر الإعلامية الأمريكية ، وتمتلك محطات تلفزة خاصة بها ، ويشارك قادتها كبار المسؤولين في البيت الأبيض ، ومجلس الأمن القومي الأمريكي ، ووزارة الخارجية بصناعة القرارات السياسية والعسكرية ، المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي .ـ وتعتقد هذه الحركة أنّ الله قد وضع في الكتاب المقدس نبوءات واضحة ، حول كيفية تدبيره لشؤون الكون ونهايته ، كما يلي :1- قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها .2- هجوم أعداء الله على إسرائيل ووقوع محرقة هرمجدون النووية ( وأعداء إسرائيل هم الروس والعرب ، وعلى مدى أوسع هم أهل الشرق على اختلاف معتقداتهم ) .3- انتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين .4- ظهور المسيح المخلص وتخليصه لأتباعه ( أي المؤمنين به ) من هذه المحرقة .5- إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة .6- انتشار السلام في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة ألف عام .ـ وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ، هي تدبير وتهيئة - وكأنّ الله قد أوصاهم بذلك - كل الأمور التي من الممكن ، أن تعجّل في عودة المسيح إلى الأرض ، ومن ضمن تلك الأمور :أولا : ضرورة إضعاف العرب عسكريا ،وثانيا : تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ،وثالثا : تعزيز ترسانتها النووية . مقتطفات من مقدمة الكاتبة : تؤكد الكاتبة الأمريكية ( غريس هالسل ) أن بذور هذه المُعتقدات المُدمّرة ، نشأت في نهاية القرن التاسع عشر . وكان رائد هذا الاتجاه في تفسير الكتاب المُقدّس هو ( سايروس سكوفيلد ) ، وقد طُبع أول مرجع إنجيلي له عام 1909م ، زرع فيه آراءه الشخصية في الإنجيل ، وصار أكثر الكتب المتداولة حول المسيحية . وبدأت هذه المُعتقدات في الظهور وتعزّزت ، عندما تتابعت انتصارات إسرائيل على دول الجوار العربية ، وبلغت ذروتها بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان .وتقول الكاتبة : وفي إحدى المناسبات كان ( سكوفيلد ) يذكّر مُستمعيه بأنه : عام بعد عام كان يُردّد التحذير بأن عالمنا ، سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية . ولكنه يقول أيضا : أن المسيحيين المُخلّصين يجب أن يُرحّبوا بهذه الحادثة ، لأنه مُجرّد ما أن تبدأ المعركة النهائية ، فإن المسيح سوف يرفعهم فوق السحاب وسيُنقذون ، وأنهم لن يُواجهوا شيئا من المعاناة التي تجري تحتهم .وتقول : بالرغم من أن بعض الأصوليين لم يتقبّلوا هذه الفكرة ، إلا أنها تسبّبت في انقسام كبير . فهناك مؤشر إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعلّقون بنظرية ( هرمجدون ) في تزايد مُضطرد ، فهُم مثل سكوفيلد يعتقدون أن المسيح وعد المسيحيين المُخلّصين بسماء جديدة وأرض جديدة ، وبما أن الأمر كذلك ، فليس عليهم أن يقلقوا حول مصير الأرض ، فليذهب العالم كلّه إلى الجحيم ، ليُحقّق المسيح للقلّة المُختارة سماءً وأرضا جديدتين .إن استقصاء عام 1984م ، الذي أجرته مؤسسة ( باتكيلو فيتش ) أظهر أن 39 بالمائة من الشعب الأمريكي ، يقولون ، أنه عندما يتحدّث عن تدمير الأرض بالنار ، فإن ذلك يعني ، أننا نحن أنفسنا سوف نُدمّر الأرض ب ( هرمجدون ) نووية . وأظهرت دراسة لمؤسسة ( نلسن ) نُشرت في أُكتوبر 1985م ، أن 61 مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى مُبشّرين ، يقولون أننا لا نستطيع أن نفعل شيئا ، لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا . ـ ومن أكثر الأصوليين الإنجيليين شهرة ، من الذين يُبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية ( هرمجدون ) :1- بات روبرتسون : يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ، مكونة من ثلاث محطات ، عائداته السنوية تصل إلى 200 مليون دولار ، ومساهم في محطة تلفزيون الشرق الأوسط في جنوب لبنان ، يشاهد برامجه أكثر من 16 مليون عائلة أمريكية .2- جيمي سواغرت : يملك ثاني أكبر المحطات الإنجيلية شهرة ، يُشاهد برامجه ما مجموعه 9,25 مليون منزل .3- جيم بيكر : يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ، عائداته السنوية تصل إلى 50-100 مليون دولار ، يُشاهد برامجه حوالي 6 ملايين منزل ، يعتقد أن علينا أن نخوض حربا رهيبة ، لفتح الطريق أمام المجيء الثاني للمسيح .4- أورال روبرتس : تصل برامجه التلفزيونية إلى 5,77 مليون منزل .5- جيري فولويل : تصل دروسه التبشيرية إلى 5,6 مليون منزل ، يملك محطة الحرية للبث بالكابل ، أقام بعد شرائها بأسبوع ، حفل عشاء على شرف جورج بوش نائب الرئيس ريغان آنذاك . وقد أخبر فولويل يومها بأن جورج بوش ، سيكون أفضل رئيس في عام 1988م .6- كينين كوبلاند : يُشاهد برامجه 4,9 مليون منزل . يقول : أن الله أقام إسرائيل . إنّنا نُشاهد الله يتحرك من أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ في دعم حكومتنا ، طالما أنّها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نُشعر الله ، مدى تقديرنا لجذور إبراهيم .7- ريتشارد دي هان : يصل في برنامجه إلى 4,75 مليون منزل .8- ريكس همبرد : يصل إلى 3,7 مليون منزل ، وهو يُبشّر بتعاليم سكوفيلد التي تقول : أن الله كان يعرف منذ البداية الأولى ، أننا نحن الذين نعيش اليوم ، سوف نُدمّر الكرة الأرضية .وتعقّب الكاتبة بقولها : لقد ذكرت ثمانية من الذين يٌقدّمون البرامج الدينية ، ويُبشّرون بنظرية هرمجدون نووية في الإذاعة والتلفزيون ، ومن بين 4 آلاف أصولي إنجيلي ، … هناك 3 آلاف من التدبيريين ، يعتقدون أن كارثة نووية فقط ، يمكن أن تُعيد المسيح إلى الأرض . إن هذه الرسالة تُبث عبر 1400 محطة دينية في أمريكا . ومن بين ألف قسّيس إنجيلي يذيعون يوميا برامج من خلال 400 محطة راديو ، فإن الأكثرية الساحقة منهم من التدبيريين . وتقول : أن بعض هؤلاء القساوسة ورؤساء الكنائس ، هم من القوة بحيث يظهرون كالملوك في مناطقهم .والرسالة التي يُرسلها هؤلاء على الدوام هي : لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح ، وأن أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هو هرطقة ( تخريف وكفر ) إنه ضد كلمة الله ( ضد ما جاء في الكُتب المقدسة ) إنه ضد المسيح . وهذا ما يقوله أيضا ( جيم روبرتسون ) التلفزيوني الإنجيلي الذي دعاه الرئيس ( ريغان ) لإلقاء صلاة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام 1984م .كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) ومؤلفه ( هال لندسي ) : تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ، أصبح الأكثر مبيعا خلال السبعينات ، حيث بيع منه حوالي 18 مليون نسخة ، وفي تعليقها على هذا الكتاب ومؤلفه ، تقول أن المؤلف يفسّر كل التاريخ ، قائلا أن دولة إسرائيل هي الخط التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل . ( ومن ذلك يأتي تقديس النصارى الأمريكان لإسرائيل ، ولاحظ أن هذا الكتاب قرأه ما لا يقل عن 18 مليون أمريكي عند صدوره ، أما الآن فربما قد قرأه معظم الشعب الأمريكي ، وخطورة هذا الكتاب تنبع من كون الأفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف منسوبة إلى الله ، كما أوضح في كتابه المقدّس لديهم ) .ويقول لندسي : أن الجيل الذي وُلد عام 1948م ، سوف يشهد العودة الثانية للمسيح . ولكن قبل هذا الحدث ، علينا أن نخوض حربين ، الأولى ضد يأجوح ومأجوج ( أي الروس ) ، والثانية في هرمجدون . والمأساة ستبدأ هكذا : كل العرب بالتحالف مع السوفييت ( الروس ) ، سوف يُهاجمون إسرائيل . ( وهذا تحذير وتحريض للغرب النصراني ، لمعاداة العرب المسلمين والروس الشيوعيين ) وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف : أن لندسي لا يبدو عليه الحزن ، عندما يُعلن : أن كل مدينة في العالم سيتم تدميرها في الحرب النووية الأخيرة ، وتعقّب الكاتبة : تصوّروا أن مُدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ، ونيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد أُبيدت . ويقول لندسي : إن القوة الشرقية سوف تُزيل ثلث العالم … عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى ، بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل ، ستحين ساعة اللحظة العظيمة ، فيُنقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل ( الفناء ) .ويُتابع لندسي : وفي هذه الساعة سيتحول اليهود ، الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية … سيبقى 144 ألف يهودي فقط ، على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون .( إذن يجب ألا يكترث نصارى الغرب ، بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة مدمرة ، ما دامت مجمل ضحايا هذه الحرب ، ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنيين في الشرق ، غير المؤمنين بألوهية المسيح ، بل عليهم أن يستعجلوا نشوبها بالعمل على تسريع المواجهة بين الشرق والغرب ، حتى يعود المسيح للأرض مرة ثانية ليُنقذ البشرية النصرانية فقط من الاندثار الكامل ) .وقفة مع المُبشّر الإنجيلي ( جيري فولويل ) بعد عرضه لنظرية هرمجدون مستخدما الأدلة التوراتية والإنجيلية . تقول الكاتبة بعد حضورها للعرض : رسم فولويل صورة مُرعبة عن نهاية العالم ، ولكنه لم يبدُ حزينا أو حتى مهتمّا . في الواقع أنهى عظته بابتسامه كبيرة ، قائلا : ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا مُستقبلا رائعا . وفي إحدى تسجيلاته يقول : وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقة ، إنها حقيقة مُركّبة . ولكن نشكر الله لأنها ستكون نهاية العامة ، لأنه بعد ذلك سيكون المسرح مُعدّا ، لتقديم الملك الرب المسيح ، بقوة وعظمة … إنّ كل المُبشّرين بالكتاب المُقدّس ، يتوقّعون العودة الحتمية للإله … وأنا نفسي أُصدّق ، بأننا جزء من جيل النهاية ، الذي لن يُغادر قبل أن يأتي المسيح . ومنذ 2600 سنة تنبأ النبي العبراني حزقيال ، أن أمة ستقوم إلى الشمال من فلسطين ، قبل وقت قصير من العودة الثانية للمسيح … في الفصلين 38 و 39 من حزقيال ، نقرأ أن اسم هذه الأرض هو روش . ويذكر أيضا اسم مدينتين هما ماشك وتوبال … إن هذه الأسماء تبدو مُشابهة بشكل مُثير ، لموسكو وتيبولسك ، العاصمتين الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب حزقيال أن هذه الأرض ستكون مُعادية لإسرائيل ، وأنه من أجل ذلك سيكون ضدها . وقال أيضا أن روسيا سوف تغزوا إسرائيل بمساعدة حُلفاء مُختلفين في الأيام الأخيرة … وقد سمّى هؤلاء الحلفاء : إيران ( التي كنا نُسميها فارس ) ، وجنوب إفريقيا أو إثيوبيا ، وشمال إفريقيا أو ليبيا ، وأوروبا الشرقية ( جومر ) ، والقوقاز جنوب روسيا ( توجرمة ) .بالرغم من الآمال الوردية وغير الواقعية تماما التي أبدتها حكومتنا ، حول اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، إلا أن هذه الاتفاقية لن تدوم . إننا نصلي بالفعل من أجل السلام في القدس … إننا نحترم كثيرا رئيسيّ حكومتيّ إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه ، لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط ، إلى أن يأتي يوم يجلس فيه الإله المسيح على عرش داود في القدس .وفي كتابه ( الحرب النووية والمجيء الثاني … ) ، في فصل الحرب القادمة مع روسيا ، يتنبأ ( فولويل ) بغزو سوفييتي لإسرائيل ... وفي نهاية المعركة سيسقط خمس أسداس الجنود السوفييت ، وبذلك يبدأ أول احتفال للرب . ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلى الأبد ، وسيستغرق دفن الموتى مدة 7 أشهر .الرئيس الأمريكي ( ريغان ) كان أحد فرسان هرمجدون النووية : تقول الكاتبة : كان ( رونالد ريغان ) واحدا ، من الذين قرءوا كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) … في وقت مبكر من عام 1986م ، أصبحت ليبيا العدو الأول ( لريغان ) … واستنادا إلى ( جيمس ميلز ) ، الرئيس السابق لمجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا ، فإن ( ريغان ) كره ليبيا لأنه رأى أنها واحدة من أعداء إسرائيل ، الذين ذكرتهم النبوءات وبالتالي فإنها عدو الله . وعندما كان ( ريغان ) مرشحا للرئاسة عام 1980م ، كان يُواصل الحديث عن هرمجدون ، ومن أقواله : إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون .إن معظم المؤمنين ( بالتدبيرية ) ، ينظرون إلى روسيا على أنها شيطانية ، وأنها تُمثّل إمبراطورية الشيطان . ولقد جاهر ( ريغان ) بذلك في 8 / 3 / 1983م ، عندما قال : إن الاتحاد السوفييتي هو حجر الزاوية في العالم المعاصر . إنني أؤمن أن الشيوعية فصل حزين وسيئ في التاريخ الإنساني ، الذي يكتب الآن صفحاته الأخيرة . وتقول الكاتبة : يقول (جيمس ميلز ) في مقال صحفي : إن استعمال ( ريغان ) لعبارة إمبراطورية الشيطان … كان إعلانا انطلق من الإيمان الذي أعرب لي عنه ، في تلك الليلة عام 1971م … إن ( ريغان ) كرئيس أظهر بصورة دائمة ، التزامه القيام بواجباته ، تمشيا مع ارادة الله … إن ( ريغان ) كان يشعر بهذا الالتزام خصّيصا ، وهو يعمل على بناء ، القدرة العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها … … صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ، في المعركة الرهيبة ضد قوى الظلام ، إلا أن المسيحيين المحافظين مثل رئيسنا ، لا يسمح لهم التطرف الروحي ، بأن يأخذوا هذا الانتصار كمُسلّمات . إن تقوية قوى الحقّ لتربح هذا الصراع المهم ، هو في عيون مثل هؤلاء الرجال ، عمل يُحقّق نبوءة الله انسجاما مع إرادته السامية ، وذلك حتى يعود المسيح مرّة ثانية … … وبالتأكيد فإن توجهه بالنسبة للإنفاق العسكري ، وبرودته اتجاه مُقترحات نزع السلاح النووي ، متفقة مع وجهة نظره هذه ، التي يستمدّها من سفر الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ، لا يُمكن أن تحدث في عالم منزوع السلاح . إن كل من يؤمن بحتمية وقوعها ، لا يُمكن توقع تحقيقه لنزع السلاح . إن ذلك يُناقض مشيئة الله كما وردت على لسانه … … إن سياسات الرئيس ( ريغان ) الداخلية والمالية ، مُنسجمة مع التفسير اللفظي ، للنبوءات التوراتية والإنجيلية . فلا يوجد أي سبب للغضب من مسألة الدَيْن القومي الأمريكي ، إذا كان الله سيطوي العالم كلّه قريبا .وتقول الكاتبة : وبناء على ذلك ، فإن جميع البرامج المحلية ، التي تتطلب إنفاقا كبيرا ، يمكن بل يجب أن تُعلّق من أجل توفير المال ، لتمويل برامج تطوير الأسلحة النووية ، من أجل إطلاق الحمم المُدمّرة على الشياطين ، أعداء الله وأعداء شعبه ، وأضاف ميلز : لقد كان ( ريغان ) على حق عندما اعتقد أن أمامه فرصة أكبر ، لينفق المليارات من الدولارات ، استعدادا لحرب نووية مع يأجوج ومأجوج ، لو كان معظم الشعب الذي أعاد انتخابه ، يؤمن كما أخبرني ، بما يؤمن هو به ، بالنسبة ( لهرمجدون ) والعودة الثانية للمسيح .الإنجيليون الأصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم : في لقاء للكاتبة مع محام فلسطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ، يعمل في القدس ، بعد أن عاد من أمريكا ليعيش في فلسطين ، في معرض ردّه على سؤال ، عن رأيه في الحجّاج الأمريكيين ، الذين يُنظّمهم المُبشّر ( فولويل ) لزيارة أرض المسيح ، قال : بالنسبة للإنجيليين الأصوليين مثل ( فولويل ) ، فإن الإيمان بإسرائيل يتقدم على تعاليم المسيح . إن الصهاينة يُفسدون تعاليم المسيح . إن صهيونية ( فولويل ) سياسية لا علاقة لها ، بالقيم أو الأخلاق أو بمواجهة المشاكل الحقيقية . إنه يدعو أتباعه إلى تأييد إسرائيل ، ويطلب من دافع الضرائب الأمريكي ، أن يُقدّم لإسرائيل 5 مليار دولار كل سنة . إذ أنه يؤكد لأتباعه وبما أنهم مؤيدون للصهيونية ، فهم على الطريق الصحيح ، وفي الجانب الرابح دوما … وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ( فولويل ) ، يُوفّرون للإسرائيليين الدافع للتوسع ومصادرة المزيد من الأراضي ، ولاضطهاد مزيد من الشعوب ، لأنهم يدّعون أن الله إلى جانب إسرائيل ، وأن العم سام راغب في التوقيع على الفاتورة … إن الإسرائيليين ، يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ( فولويل ) ، يقفون معهم على الدوام ، بغض النظر عما يفعلون أخلاقيا ومعنويا . ومهما بلغوا من القمع ، فإن الإسرائيليين يعرفون أن الصهيونيين المسيحيين الأمريكيين معهم ، ويرغبون في إعطائهم الأسلحة ومليارات الدولارات ، وسيُصوّتون إلى جانبهم في الأمم المتحدّة . المُبشر ( فولويل ) والترويج لإسرائيل سياسيا : في بحث قام به اثنان من الأساتذة الجامعيين عن حياة ( فولويل ) ، يؤكد د. ( غودمان ) أن ( فولويل ) تحوّل من الوعظ الديني ، إلى الوعظ السياسي المؤيد للدولة الصهيونية ، بعد الانتصار العسكري الإسرائيلي في عام 1967م . حيث أن هذا الانتصار المُذهل ، كان له تأثير كبير على العديد من الأمريكيين ، في الوقت الذي كان فيه شعور الهزيمة والخيبة ، يُخيّم على الكثير من الأمريكيين من جرّاء الحرب الفيتنامية ، ومن هؤلاء كان ( فولويل ) الذي نظر إلى الأمر بطريقة مختلفة ، حيث قال : أن الإسرائيليين ، ما كانوا لينتصروا لو لم يكن هناك تدخّل من الله . ونتيجة لذلك بدأ الإسرائيليون باستخدام ( فولويل ) في السبعينيات ، لتحقيق أغراضهم ومطالبهم ، وتأييد سياساتهم لدي الشعب والساسة الأمريكان ، وفي خطاب له عام 1978م في إسرائيل ، قال : إن الله يُحب أمريكا ، لأن أمريكا تُحب اليهود . وفي مناسبات عديدة كان يقول للأمريكيين : إن قدر الأمة يتوقف على الاتجاه ، الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم يُظهر الأمريكيون ، رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلاح ، فإن أمريكا ستخسر الكثير . وقد قامت وسائل الإعلام الصهيونية بإبرازه وتلميع صورته ، ليصبح شخصية سياسية وإعلامية مرموقة على الساحة الأمريكية ، لدرجة أن الرئيس ( ريغان ) رتب له حضور اجتماع مجلس الأمن القومي ( البنتاغون ) ، ليستمع ويُناقش كبار المسؤولين فيه ، حول احتمال نشوب حرب نووية مع روسيا . يُتابع د. ( غودمان ) : في عام 1981م ، عندما قصفت إسرائيل المفاعل النووي قرب بغداد ، تخوّف ( بيغن ) من رد فعل سيّء في الولايات المُتحدّة . ومن أجل الحصول على الدعم ، لم يتصل بسيناتور أو كاهن يهودي ، إنما اتصل ( بفولويل ) … وقبل أن يُغلق سماعة الهاتف ، قال ( فولويل ) ( لبيغن ) : السيد رئيس الوزراء ، أريد أن أهنئك على المهمة ، التي جعلتنا فخورين جدا بإنتاج طائرات ف 16 . وقال د. ( برايس ) : إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ، تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين المسيحي . هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل ، مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة ، كما يعتقد مسيحيو الغرب ، فضلا عن يهود الشرق والغرب : أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ، وفي لقاء مع أحد مستوطني مُستعمرة ( غوش أمونيم ) - مُعقبة على قوله - قالت له : إن بناء هيكل للعبادة شيء ، وتدمير المسجد شيء آخر ، فمن الممكن أن يُؤدي ذلك إلى حرب بين إسرائيل والعرب ، فردّ قائلا : تماما هذا ما نُريده أن يحدث لأننا سوف نربحها ، ومن ثم سنقوم بطرد العرب من أرض إسرائيل ، وسنُعيد بناء الهيكل وننتظر مسيحنا . تقول الكاتبة : لقد زرت قبة الصخرة ، وهي واحدة من أجمل الصروح في العالم – والتي تُقارن بجمال تاج محل – وقد تم بناؤها عام 685م ، بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، وهو البناء الأجمل في القدس . وتقول : على الرغم من أن المسيح دعا إلى إقامة المعابد في النفس ، فإن الأصوليين المسيحيين يُصرّون على أن الله يُريد أكثر من بناء معبد روحي ، إنه يُريد معبدا حقيقيا من الإسمنت والحجارة ، يُقام تماما في الموقع الذي توجد فيه الصروح الإسلامية . ويقول ( لندسي ) في كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) : لم يبق سوى حدث واحد ليكتمل المسرح تماما أمام إسرائيل ، لتقوم بدورها في المشهد العظيم الأخير من مأساتها التاريخية ، وهو إعادة بناء الهيكل القديم ، في موقعه القديم . ولا يوجد سوى مكان واحد يمكن بناء الهيكل عليه ، استنادا إلى قانون موسى في جبل موريا حيث الهيكلان السابقان . نشأة المسيحية الصهيونية تقول الكاتبة : أواخر أغسطس 1985م سافرت من واشنطن إلى سويسرا ، لحضور المؤتمر المسيحي الصهيوني الأول في بازل ، برعاية السفارة المسيحية العالمية في القدس ، لأتعرّف على خلفية الصهيونية السياسية … في أحد مقررات المؤتمر حثّ المسيحيون إسرائيل على ضمّ الضفة الغربية ، بسكانها المليون فلسطيني … فاعترض يهودي إسرائيلي : بأن ثلث الإسرائيليين يُفضلون مقايضة الأراضي المحتلة بالسلام مع الفلسطينيين … فردّ عليه مقرر المؤتمر : إننا لا نهتم بما يُصوّت عليه الإسرائيليون وإنما بما يقوله الله ،والله أعطى هذه الأرض لليهود . وتقول : كان تقديري أنه من بين 36 ساعة … فإن المسيحيين الذين أشرفوا على المؤتمر ، خصصوا 1% من الوقت لرسالة المسيح وتعاليمه ، وأكثر من 99% من الوقت للسياسة . ولا يُوجد في الأمر ما يُثير الاستغراب ، ذلك أن المشرفين على المؤتمر ، برغم أنهم مسيحيون فهم أولا وقبل كل شيء صهاينة ، وبالتالي فإن اهتمامهم الأول هو الأهداف الصهيونية السياسية . وفي بحثها عن أصل الصهيونية السياسية ، الداعية إلى عودة اليهود إلى فلسطين ، تؤكد الكاتبة أن ( ثيودور هرتزل ) لم يكن أصلا صاحب هذه الفكرة ، وإنما كان دُعاتها هم المسيحيون البروتستانت ( ذوي الأغلبية في أمريكا وبريطانيا الآن ) قبل ثلاث قرون من المؤتمر الصهيوني الأول . حيث ضمّ لوثر زعيم حركة الإصلاح الكنسي في القرن السادس عشر ، توراة اليهود إلى الكتاب المقدّس تحت اسم العهد القديم . فأصبح المسيحيون الأوربيون يُبدون اهتماما أكبر باليهود ، وبتغيير الاتجاه السائد المُعادي لهم في أوروبا . وتقول الكاتبة : توجه البروتستانت إلى العهد القديم ليس فقط لأنه أكثر الكتب شهرة ، ولكن لأنه المرجع الوحيد لمعرفة التاريخ العام . وبذلك قلّصوا تاريخ فلسطين ما قبل المسيحية إلى تلك المراحل التي تتضمّن فقط الوجود العبراني فيها . إن أعدادا ضخمة من المسيحيين وُضِعوا في إطار الاعتقاد ، أنه لم يحدث شيء في فلسطين القديمة ، سوى تلك الخرافات غير الموثقة من الروايات التاريخية المدوّنة في العهد القديم . وتقول : في منتصف عام 1600م بدأ البروتستانت بكتابة معاهدات ، تُعلن بأن على جميع اليهود مُغادرة أوروبا إلى فلسطين . حيث أعلن ( أوليفر كرمويل ) بصفته راعي الكومنولث البريطاني الذي أُنشئ حديثا ، أن الوجود اليهودي في فلسطين هو الذي سيُمهّد للمجيء الثاني للمسيح . ومن هناك في بريطانيا بدأت بذرة الدولة الصهيونية الحديثة في التخلّق . وفي خطاب لمندوب إسرائيل في الأمم المتحدّة ( بنيامين نتنياهو ) عام 1985م - الذي أصبح فيما بعد رئيسا لإسرائيل - أمام المسيحيين الصهاينة ، قال : إن كتابات المسيحيين الصهاينة من الإنجليز والأمريكان أثّرت بصورة مُباشرة على تفكير قادة تاريخيين ، مثل ( لويد جورج ) و ( آرثر بلفور ) و ( ودرو ويلسون ) ، في مطلع هذا القرن … الذين لعبوا دورا أساسيا ، في إرساء القواعد السياسية والدولية لإحياء الدولة اليهودية . وتقول : لم يكن حلم هرتزل روحانيا بل كان جغرافيا ، كان حُلما بالأرض والقوة ، وعلى ذلك فإن السياسة الصهيونية ضلّلت الكثير من اليهود … وقد ادّعى الصهاينة السياسيون أنه لم يكن هناك فلسطينيون يعيشون في فلسطين … ويقول ( موش مانوحين ) : أنه انتقل إلى الدولة اليهودية الجديدة ، على أمل أن يجد جنّة روحية ، ولكنّه اكتشف أن الصهاينة لا يعبدون الله ، ولكنهم يعبدون قوتهم . وتقول : لأن يهود أمريكا – مثل ( آندي غرين ) – يعرفون أنه يمكنهم الاعتماد ، على دعم 40 مليون مسيحي إنجيلي أصولي ، فهم يُصادرون الأرض من الفلسطينيين بقوة السلاح . ويقول غرين الذي انتقل إلى إسرائيل عام 1975م ، ولا يزال يحتفظ بجواز سفره الأمريكي : ليس للعرب أي حق في الأرض إنها أرضنا على الإطلاق ، هكذا يقول الكتاب المقدّس إنه أمر لا نقاش فيه . من أجل ذلك لا أجد أي مُبرر للتحدّث مع العرب حول ادعاءاتهم المنافسة لنا ، إن الأقوى هو الذي يحصل على الأرض . غاية إسرائيل من التحالف مع اليمين المسيحي في أمريكا : يوضح ( ناتان بيرلمتر ) يهودي أمريكي ، من حركة ( بناي برث ) – منظمة يهودية - في أمريكا ، أسباب تحالف يهود الولايات المتحدة مع الأصوليين المسيحيين ، بقوله : أن الأصوليين الإنجيليين يُفسّرون نصوص الكتاب المُقدّس بالقول : أن على جميع اليهود ، أن يؤمنوا بالمسيح أو أن يُقتلوا في معركة هرمجدون . ولكنه يقول في الوقت نفسه : نحن نحتاج إلى كل الأصدقاء لدعم إسرائيل … وعندما يأتي المسيح فسوف نفكر في خياراتنا آنذاك . أما الآن دعونا نُصلّي ونرسل الأسلحة . تشير الكاتبة إلى كتاب ( مصير اليهود ) للمؤلفة اليهودية ( فيورليخت ) الذي تصفه بالرائع ، حيث تقول فيه الكاتبة اليهودية : أن أول مساهمة لليهودية كانت القانون الأخلاقي ، وأن عظمة اليهودية لم تكن في ملوكها وإنما في أنبيائها . وأن الله لم يأمر اليهود بالموت ولكنّه أمرهم بالحياة . وتُدلّل على قولها بنص من التوراة لقد وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم أن تختاروا الحياة . وتُضيف : مع ذلك فإن الإسرائيليين بوضع مصيرهم بيد الجيوش والأسلحة ، وبتشريفهم الجنرالات أكثر من الأنبياء . لا يختارون الحياة وإنما يختارون الموت . وتُحذّر من أنّ أولئك الذين يجعلون من إسرائيل إلها يُعبد يدفعوننا في هذا الاتجاه . ـ وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ، مع اليمين المسيحي في الولايات المتحدة : الحصول على المال . أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية . تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس . وتقول على لسان ( إسرائيل شاهاك ) : إن طبيعة الصهيونية هي البحث الدائم عن حامٍ ومعيل . في البداية توجّه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا ، والآن يتوجّهون ويعتمدون كليّا على الولايات المتحدة . وقد أقاموا هذا الحلف مع اليمين المسيحي الجديد ، لكي يُبرّر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل . وتقول الكاتبة : إن للقادة الأصوليين الإنجيليين اليوم قوة سياسية ضخمة . إن اليمين المسيحي الجديد هو النجم الصاعد في الحزب الجمهوري ، وتحصد إسرائيل مكاسب سياسية جمة داخل البيت الأبيض من خلال تحالفها معه . وتنقل الكاتبة : إن ( مارفن ) – أحد زملائها في رحلة الحج - كغيره من اليمين المسيحي الجديد ، يشعر بالنشوة لأنه مع الحليف الرابح . وقد نقل إلي مرة المقطع 110 الذي يتحدّث عن يهوه وهو يسحق الرؤوس ، ويملأ الأرض بجثث غير المؤمنين ، والمقطع 137 الذي يُعرب فيه عن الرغبة من الانتقام ، من أطفال بابليين وإلقائهم فوق الصخور . ثم قال ( مارفن ) : وهكذا يتوجب على الإسرائيليين أن يُعاملوا العرب بهذه الطريقة . ورغم أن ( مارفن ) كان معجبا ومطلعا على نصوص التاريخ التوراتي ، إلا أنه كان جاهلا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي . لأنه يعرف مسبقا كل ما يعتقد أن الله يريد منه أن يعرفه . وقال لي : إن على الأمريكيين أن يتعلموا من الإسرائيليين كيف يُحاربون . ويشارك ( مارفن ) كذلك هؤلاء بالاعتقاد بأننا نحن المسيحيين نؤخر وصول المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأرض من الفلسطينيين . وتخلُص الكاتبة إلى القول : بأن عدة ملايين من المسيحيين الأمريكيين ، يعتقدون أن القوانين الوضعية يجب ألا تُطبق على مصادرة اليهود واسترجاعهم لكل أرض فلسطين ، وإذا تسبّب ذلك في حرب عالمية نووية ثالثة فإنهم يعتقدون بأنهم تصرّفوا بمشيئة الله . وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة بأسماء 250 منظمة إنجيلية أصولية موالية لإسرائيل ، من مختلف الأحجام والعمق في أمريكا ، ومعظم هذه المنظمات ننشأت وترعرت خلال السنوات الخمس الأخيرة ، أي منذ عام 1980م . وتقول الكاتبة في فصل مزج الدين بالسياسة : أن الإسرائيليون يُطالبون بفرض سيادتهم وحدهم ، على المدينة التي يُقدّسها مليار مسيحي ومليار مسلم ، وحوالي 14 مليون يهودي . وللدفاع عن ادّعائهم هذا فإن الإسرائيليين – ومعظمهم لا يؤمن بالله – يقولون : بأن الله أراد للعبرانيون أن يأخذوا القدس إلى الأبد . ومن أجل ترويج هذه الرسالة توجّه الإسرائيليون إلى ( مايك ايفنز ) اليهودي الأمريكي ، الذي قُدّم في أحد المعابد على أنه قسّ تنصّر ليساعد شعبه ، وأنه صديق لجورج بوش ويحتل مكانة مرموقة في الحزب الجمهوري ، ومن حديثه في هذا المعبد قوله : إن الله يريد من الأمريكيين ، نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس ، لأن القدس هي عاصمة داود . ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود ، من أن يكون لليهود حق اختيار عاصمتهم . إذا لم تعترفوا بالقدس ملكية يهودية ، فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا ، إن الله ، سيُبارك الذين يُباركون إسرائيل ، وسيلعن لاعنيها . خاتمة الكتابوفي الخاتمة تقول الكاتبة : فكرت في خيارنا للحياة أو الموت طوال السنين العديدة الماضية ، مستمعة إلى ( جيري فولويل ) وغيره من الإنجيليين ، الذين يطلّون علينا عبر الهاتف والكتاب المقدّس باليد الأخرى ، ناقلين عن كتاب دانيال من العهد القديم ، وعن كتاب سفر الرؤيا من العهد الجديد ، قائلين : أن الله قد قضى علينا أن نخوض حربا نووية مع روسيا ...اقتناعا منهم بأن هرمجدون نووية لا مفر منها بمقتضى الخطة الإلهية ، فإن العديد من الإنجيليين المؤمنين بالتدبيرية ، ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع إسرائيل ، يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشدّ وحشية وأوسع انتشارا ، من أي مجزرة يُمكن أن يتصورها عقل ( أدولف هتلر ) الإجرامي … لقد وجدت فكرهم الوعظي تحريضيا تصادميا في حثّهم على الاستعداد لنهاية العالم ، إنهم يدفعونني إلى الاعتقاد بأننا قطعنا مسافة طويلة بعيدا عن بداياتنا كبشر . إن معظمنا يتمسك باعتبار حسن الجوار كعلاقة رائعة في حياتنا المتحضرة ؛ معاملة الآخرين كما نحب أن يُعاملونا ، وفوق ذلك عاش الكثيرين بهدف أكثر نبلا ؛ وهو مغادرة هذه الدنيا في حاله ، أفضل من تلك التي وجدوها عليها . بعد هذا العرض لبعض ما جاء في هذا الكتاب ، نستطيع القول أن الحلف المنعقد بين إسرائيل والولايات المتحدّة ، هو حلف عقائدي عسكري تُغذيه النبوءات التوراتية والإنجيلية . لدرجة أن الكثير من أفراد الشعب الأمريكي الضالّ يتمنى لو أنه ولد يهوديا ، لينعم بالانتساب إلى شعب الله المختار ، الذي يقاتل الله عنهم في جميع حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين . ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود وبمقاومتنا للاحتلال الصهيوني ، نمنع الله من تحقيق إرادته بإعطاء أرض فلسطين لليهود . فالشعب الأمريكي ينظر على أن اليهود هم جنود الله ، وأن الفلسطينيون هم إرهابيون وجنود الشيطان ، وأن قلة قليلة من شُرفاء أمريكا يعتقدون بعكس ذلك ، من الذين سبروا أغوار الحقيقة ودرسوا التاريخ والجغرافيا والواقع بعين العدالة والإنصاف ، حتى أن بعضهم طعن في مصداقية كتبهم المُقدّسة ، ولكن كل جهود الشرفاء من مواقف ومحاضرات وبرامج ومؤلفات ذهبت أدراج الرياح ، ذلك لأنهم قلة ولا يملكون ما يملكه اليهود وأتباعهم من القوة والمال ، فكانوا كمن يُجدّف بالرمال . ـ ونستطيع تلخيص العلاقة ما بين إسرائيل وأمريكا ( اليهود والنصارى ) كما يلي :
· أن التحالف بين الدولتين ، فضلا عن كل شيء ، هو حلف ديني عقائدي ، أقوى من أي معاهدة أو اتفاقية مكتوبة على الورق . كل من الأمريكان والإسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم . يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه .
· ويتفق الطرفان على وجوب سيطرة اليهود على فلسطين كاملة ، واتخاذ القدس عاصمة للدولة اليهودية ، ومن ثم يتوجب عليهم إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى ، وأن هذه الأمور ما لم تأخذ مجراها على أرض الواقع فإنها ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين . · وأن ظهور المسيح سيكون مسبوقا بحرب مُدمرة ستقع بين إسرائيل وأعدائها ، تحصد ما لا يُعدّ ولا يُحصى من أرواح البشر وتنتهي بخراب الأرض ، وروّاد المؤامرة اليهودية العالمية يبذلون قصارى جهدهم لإشعالها ، لقطف ثمار مخططهم الشيطاني بإثارة الفتن وافتعال الأزمات . وبناء على ذلك ، تجد أمريكا نفسها ملزمة عقائديا بتسليح إسرائيل ما أمكنها ذلك ، وبدعمها في كل مخططاتها داخل فلسطين وخارجها ، استعدادا لوقوع هذه الحرب المدمرة لضمان انتصار إسرائيل وحلفائها ضد أعداء الله . هكذا هي المعادلة بكل بساطة ، فساسة الشعب الأمريكي جملة وتفصيلا صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم ، وما عبادة الأمريكيين لإسرائيل إلا لتقرِّبهم إلى الله زلفى ، ولذلك يسعى الأمريكيون قبل الإسرائيليون لتلبية متطلبات مجيء المسيح ، وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة الغرب رفع ظلم صهاينة الشرق . ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء وبدأنا بتتبّع الرؤساء الأمريكيين المتأخرين ، لتبين لنا أن الرؤساء من الحزب الديموقراطي كانوا أكثر اعتدالا وأكثر ميلا إلى السلام مع العرب وروسيا ، بغض النظر عن مفهومهم له ، وأقل تجاوبا مع متطلبات كل من الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية الأصولية المُتطرّفة ، كما هو حال الرئيس ( كارتر ) – الذي انتهت ولايته عام 1980م – حيث أُنجزت في عهده اتفاقية ( كامب ديفيد ) بين مصر وإسرائيل ، والرئيس ( كلينتون ) ، 1992-200م ، الذي أُنجزت في عهده اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل ، وحاول جاهدا صنع ( كامب ديفيد ) أخرى مع الفلسطينيين ، رغم خروجه عن النص بمحاولاته الخجولة لإرضاء هؤلاء بقصف مصانع الأدوية السودانية وقصف العراق بين حين وأخر . ولتبين لنا أيضا ، أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسيحي الإنجيلي التوراتي الأصولي المتطرّف ، كانوا أكثر تطرفا وعدوانية وأقل اهتماما بالسلام ، ويتجاوبون مع متطلبات اليهود بل يُنفّذونها بحذافيرها . فالرئيس ( ريغان ) 1980-1988م شنّ الحرب على ليبيا ، وتم في عصره ضرب المفاعل العراقي واجتياح بيروت ، واشتعلت في عصره نيران الحرب الإيرانية وتم إطالة أمدها وانتهت بنهاية ولايته . والرئيس ( بوش الأب ) ، 1988-1992م ، شنّ الحرب على العراق وفرض عليه الحصار ، وتم إسقاط الشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفييتي ، وأعلن عن نظامه العالمي الجديد المذكور في بروتوكولات اليهود . ومؤخرا جاء دور ( بوش الابن ) ، ليُكمل سلسلة جرائم أسلافه من الجمهوريين ، ويُنفذ ما أُعدَّ له هؤلاء من برامج مسبقة ، كان أبالسة اليهود قد خطّوها ، قبل وصوله لسدة الحكم ، كما خطّ أجدادهم أسفار التوراة والإنجيل ، وبروتوكولات الحكماء ، فيما يُسمّى ( بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى 2001 ) ، حيث بدأ بتنفيذ ما جاء فيه من أوامر ، فور تسلّمه للسلطة : 1. ضرب بغداد دون سابق إنذار ، وبدأت إدارته بالترويج للعقوبات الذكية ، التي طالب بها خبثاء معهد واشنطن . 2. وأظهر عداءه لروسيا والصين . 3. وطلب الرئيس المصري لمعاقبة مصر على موقفها المتشدّد مع إسرائيل في قمة القاهرة ، بخفض المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة فيما لو أصرّت على ذلك . 4. وصرّح عن رغبته في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس . 5. ودعم إسرائيل في قمعها لانتفاضة الإرهابيين الفلسطينيين ، وبرّر وما زال يُبرّر جرائمها .6. وظهر هناك من يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ، من اللبنانيين المدعومين بالأموال اليهودية تحت غطاء الدين . 7. وقام وزير الخارجية بجولة في دول المنطقة ، لشرح السياسة الجديدة التي جاء بها هذا التقرير ، الذي تمت صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ، بناء على المخاوف النبوية التوراتية . تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لعام 2001م موقع هذا التقرير باللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت هو : http://www.washingtoninstitute.org/pubs/psg/psg2000.htm يُؤكد هذا التقرير الذي تمّ إنجازه بتاريخ 12 – 12 – 2000م أن مصير هذه المنطقة ، مرهون بما جاء من نبوءات في الكتب المقدّسة ، ومرهون أيضا بكيفية تفسيرهم لهذه النبوءات . وإذا اطّلعت على هذا التقرير ، فستجد أنه يوضح السياسات التي يتوجب على الرئيس الأمريكي نهجها ، للسيطرة على هذه المنطقة واستعباد شعوبها ، ستجد أنها قد رُسمت بدهاء ومكر ، على طريقة دسّ السم في العسل ، بناءً على المخاوف اليهودية المنبثقة من النبوءات التوراتية . حيث أن مُجمل بنود هذا التقرير ، جاءت لدرء المخاطر عن الدولة اليهودية فقط لا غير . وفيما يلي سنعرض من فصول هذا التقرير الخمسة ، بعض المقتطفات شديدة التعلق بموضوع هذا الكتاب . وقد نُشر هذا التقرير مترجما على حلقات ، في جريدة العرب اليوم الأردنية ، في النصف الأول من شهر آذار 2001م .تأسس معهد واشنطن الذي قدم هذه التقرير عام 1985م ، وهو يعمل كوحدة للبحوث تابعة للجنة للعلاقات العامّة الأمريكية الإسرائيلية ، المسماة بِ ( ايباك ) ، وهي المُنظمّة الصهيونية الأولى في الولايات المُتحدة ، التي تُعتبر خط الدفاع الأول عن إسرائيل ، ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا ومسيحيين صهاينة في الفكر والمعتقد . وقد تطوّر هذا المعهد ليصبح مصدر التأثير الأعظم ، في صنع القرارات السياسية الخاصة بالمنطقة ، التي تتخذها الإدارات الأمريكية المتعاقبة . ويصدر هذا التقرير في بداية كل ولاية رئاسية جديدة ، ليكون نورا يهتدي به الرئيس الأمريكي الجديد ، ونجاح هذا الرئيس وفشله لدى سادته اليهود ، يعتمد على مدى التزامه ، ومقدار ما أنجزه من الأهداف الواردة في التقرير ، وهذه المنظّمة على علاقة وثيقة مع الرؤساء والساسة الأمريكان .الفصل الأول : دبلوماسية عربية إسرائيلية - اردع الحرب الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية ، واستطلع مسالك جديدة .تقويم دروس تجربة أوسلو ، واستطلاع مسارات بديلة للسلام : التأكيد على أن الولايات المتحدة حليفة لإسرائيل ، وأنها لا ترتبط معها بأحكام ومعاهدات مكتوبة ، وإنما بروابط أقوى من القيم والمصالح المشتركة . المضي قدما في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى الموقع المقرر في القدس الغربية .تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر الإقليمي : التركيز على الدول الموالية للغرب : تحتاج الولايات المتحدة إلى التواصل مع الزعماء العرب والمسلمين ومع شعوبهم ، في السعي إلى إشراكهم في حوار صادق وصريح حول آراء ومصالح كل منهم . إذ أنّ دور الدول الموالية للغرب في المنطقة مهم جدا ، في وضع الأجندة السياسية الاجتماعية الثقافية للشرق الأوسط ، ويصدق ذلك بشكل خاص على مصر وتركيا ، والعربية السعودية والمغرب والأردن . وقد اتضح ذلك أثناء قمة كامب ديفيد 2000م وبعدها ، عندما أدى غياب التشاور مع الدول العربية الرئيسية ، حول قضية القدس خصوصا إلى تقليص فرصة قبول عرفات ، بأي من الحلول المختلفة التي طُرحت في الاجتماع . تتحمل مصر من بين جميع الدول المسؤولية الأكبر بصفتها الدولة العربية الأقوى ، والدولة التي تحمل إجراءاتها الأثر الأكثر أهمية في المنطقة . إذ تُعتبر تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك ، ضد أي توسيع للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ، وضد تحويله إلى حرب عربية إسرائيلية جدارا واقيا ، بوجه انتشار المزيد من الراديكالية ( أي التوجه المعادي لإسرائيل وأمريكا ) . المثلث الإسرائيلي اللبناني السوري : ينبغي على الإدارة الأمريكية الجديدة ، أن تُعزّز قوة الردع الإسرائيلية ضد احتمالات تعرضها لهجمات برية أو صاروخية ، تقوم بها قوات حزب الله المدعوم من سوريا وإيران . على الإدارة الأمريكية أن تدعم الحركة الناشئة في لبنان ، والداعية إلى الضغط من أجل المزيد من الحرية في الداخل ، وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على الشؤون اللبنانية . الفصل الثاني : أسلحة الدمار الشامل - امنع الانتشار واردع الاستخدام . من الممكن أن تشهد السنوات الأربع المقبلة ، تحقق تقديرات الاستخبارات الأمريكية ، بأن إيران سوف تطور نظاما صاروخيا متعدد المراحل ، يُمكّنها من تطوير صاروخ عابر للقارات . ومن الممكن خلال الفترة نفسها أن يُطور العراق أو إيران سلاحا نوويا ، خصوصا في حالة حصولها على الوقود النووي ، بصورة سرية من الاتحاد السوفييتي السابق مثلا . والحصول عليها من قبل جماعات إرهابية بمساعدة بعض الحكومات .الكثيرون في المنطقة يتهمون الولايات المتحدة بازدواجية المواقف ، فيما يتعلّق بقدرة العراق النووية . فعلى الرغم من القلق الذي تولّده الأسلحة النووية ، من وجهة النظر الداعية إلى عدم الانتشار . فإن هذه الأسلحة توفر لإسرائيل هامشا من الأمن ، يمكنها من المجازفة بعقد السلام مع جارات معينة . في الوقت الذي تطور فيه دول أخرى في المنطقة - ما زالت تهدد بتدمير إسرائيل ( أي العراق ) - الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك التهديدات . الفصل الثالث : الإرهاب - اعمل على تقوية الرد على التهديدات الجديدة . اعزل جهود مكافحة الإرهاب عن ديناميكيات العملية السلمية ، وعزز الرد على التحديات المستمرة :ينبغي على الولايات المتحدة ، أن تتبع سياسة لا تسامح فيها : ففي الوقت الذي يحق للسلطة الفلسطينية ، أن تختلف مع إسرائيل حول القضايا الدبلوماسية ، فإن العلاقة الأمريكية الفلسطينية يجب أن تدفع ثمن التهاون ، الذي تُبديه السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الإرهاب .ينبغي على الولايات المتحدة أن تُعزز جهودها الرامية للارتقاء بالتعاون الدولي ، ضد شبكات العنف الإسلامية المُتطرّفة . وينبغي أن تعمل مع دول أوروبا والشرق الأوسط ، لممارسة ضغط جماعي على تلك الدول القليلة التي ما زالت تقدم الملاذ للإرهابيين ، أو تغض النظر عنهم وهي إيران وباكستان واليمن وأفغانستان .* وقفة قصيرة مع مقال ، في جريدة الدستور الأردنية الصادرة ، بتاريخ 5 – 7 – 2001م ، نقلا عن رويترز : ( تصدير المقال : في حال هاجم ابن لادن مصالح أمريكية - واشنطن تُهدّد طالبان بانتقام عسكري ) واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية الأمريكية ( ريتشارد أرميتاج ) : أن الولايات المتحدّة قد تشنّ انتقاما عسكريا على حركة طالبان ، إذا شنّ أسامة بن لادن على هجمات مصالح أمريكية . وكان ( أرميتاج ) يُعقّب على تحذير قدّمه إلى طالبان ، سفير الولايات المتحدة لدى باكستان ( ويليام ملام ) في اجتماع عُقد في إسلام أباد يوم الجمعة الماضي . وقال مسؤول في طالبان لرويترز أن طالبان التي توفر المأوى لابن لادن ، تم إبلاغها بأنها ستتحمل المسؤولية عن أي هجمات على مصالح أمريكية … ، انتهى . طور الاستخدام الفعّال لأدوات السياسة الأمريكية المتوفرة : لإخضاع الإرهابيين للإدانة الجنائية ، يتحتم على الولايات المتحدة متابعة الالتزام بملاحقة أولئك المجرمين ، حتى وإن واجه الأمر عقبات دبلوماسية . على الحكومة الاتحادية العمل على إيقاف المناصرين المحليين المؤيدين للجماعات الإرهابية ، ( المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات الجهادية في فلسطين ) . لقد تقلص عدد الدول الداعمة للإرهاب إلى سبع دول ، وآخر الدول التي رُفع اسمها هي العراق عام 1982م وأعيد عام 1991م أما آخر اسم أُضيف للقائمة هو السودان عام 1993م . على الرئيس كجزء من عملية إعادة النظر ، أن يُفكر بتحديد الطرق التي تستطيع من خلالها تلك الدول من رفع اسمها من القائمة ( أي وضع متطلبات جديدة لشهادات حسن السيرة والسلوك الأمريكية ) . وخصوصا تلك التي أظهرت اهتماما بذلك مثل ليبيا والسودان وسوريا ، بعد ذلك يجب ربط درجة الدعم المقدّم للإرهاب بدرجة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ، وكذلك بمستوى التعامل الذي يقوم بين الحكومة المعنية وحكومة الولايات المتحدة .
المستقبل - الاثنين 22 آذار 2004 - العدد 1551 - رأي و فكر - صفحة 19
محمد السمّاك
إذا كان يجوز لي تلخيص كتاب الدكتور طارق متري عن الدين والسياسة في أميركا بعبارة واحدة، فلا أجد عبارة أفضل وأدق من تلك التي بدأ بها الأستاذ غسان تويني مقدمته لهذا الكتاب وهي: "حتى يفهم واحدنا ما يجري اليوم في العالم، وبنوع أخص في الشرق الاوسط، يجب أن يُعَمِّق معرفته بنظرة أميركا إلى الدين والدنيا لأنها منطلق استراتيجيتها السياسية، وبالتالي تصرّفها العسكري الذي يطمح إلى التفرّد بالتحكم في العالم".عندما ترجمت في 1989 كتاب "النبوءة والسياسة prophecy and politics" للفقيدة المرحومة غريس هالسل (كاتبة خطابات الرئيس الاميركي الأسبق ليندون جونسون) استوقفتني في الكتاب عبارة تفسّر ما قصده الأستاذ تويني. قالت هالسل: "في كل مرة يجتمع فيها مجلس الأمن القومي الأميركي لاتخاذ قرار يتعلق بالشرق الاوسط، كان يُدعى إلى حضور الاجتماع أحد كبار قساوسة الحركة الانجيلية الحقباتية (التدبيرية)lndespensatonalism حتى يأتي القرار متوافقاً مع الايمان بالنبوءات التوراتية التي تقول بها هذه الحركة".لا بد من التأكيد على أمور عدة تشكل العمود الفقري للكتاب هذه الامور هي:أولاً: إن المجتمع الاميركي مجتمع متدين. إن 90 بالمئة من الاميركيين يؤكدون أنهم يؤمنون بالله. وأن الدين يشكل عنصراً مهماً في حياتهم وأن 40 بالمئة منهم يرتادون الكنيسة أسبوعياً (ص24).ثانياً: إن القوى الدينية المحافظة تشدد على فكرة الشعب المختار (ص15) وليس على الأصول الدينية للمسيحية (ص16).ثالثاً: إن الخط العام للمسيحية الانجيلية هو خط ليبرالي يختلف عن خط المحافظين والأصوليين في مسائل العقيدة والاخلاق والعلاقة بين الدين والسياسة (ص16).رابعاً: إن البروتستنتية المسيحية ليست متهودة (ص18).خامساً: ليس كل الانجيليين المحافظين صهاينة (ص18).سادساً: يشكل تنصيب رئيس الجهمورية مناسبة لتأكيد إعطاء الشرعية الدينية لأعلى سلطة سياسية (ص27) فالسلطة للشعب ولكن الحاكمية لله (ص28).سابعاً: توجد في الولايات المتحدة 1586 جماعة دينية حسب إحصاء 1988 (ص 32).ثامناً: مع ذلك يؤمن 25 بالمئة من الاميركيين بالتنجيم حسب استطلاع 1997 (ص33) (وهنا أشير على سبيل المثال إلى الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان وزوجته السيدة نانسي).لاحظ المؤلف كيف تمسكت كل جماعة من الجماعات المسيحية الشرقية بهويتها الاصلية، رغم الضعف الذي أصاب أحياناً العلاقة الفعلية مع الكنيسة الام والوطن الام. وفي حالة الارثوذكس الروس والانطاكيين، لم يؤد انضمام بضعة آلاف من البروتستانتيين المحافظين، الباحثين عن أصالة كنيسة أو المنجذبين نحو الروحانية الارثوذكسية، إلى تغيير ملحوظ في موقع المسيحيين الشرقيين على الساحة الدينية الاميركية.يقدم د. متري مجموعة من الاحصاءات المهمة ترسم الخريطة الدينية في المجتمع الاميركي. من هذه الاحصاءات ان 140 مليون أميركي، أي أقل بقليل من نصف مجموع السكان أعضاء في جماعات دينية، يتوزع الـ140 مليون منتسب إلى "كيان ديني" على 66 مليون بروتستانتي و62 مليون كاثوليكي و6 ملايين يهودي و4 ملايين من المورمون، و16 مليون من المسلمين ومليون واحد من المسيحيين الارثوذكس و200 ألف من أهل الديانات الشرقية البوذية ـ الهندوسية... إلخ).من خلال هذه اللوحة الرقمية العامة يدخل إلى صلب الخاص وهو صعود الحركة المحافظة عند منتصف القرن العشرين. وهو صعود ينسب إلى الواعظ بيلي غراهام ويرى ان المحطة الابرز في تسييس الدين جرت في انتخابات عام 1980 عندما دخلت حلبة المنافسة السياسية هيئات مسيحية محافظة مثل "الأكثرية الأخلاقية" التي أسسها القس جيري فالويل، محذرة من الكارثة التي ستنزل بأميركا بسبب ابتعادها عن المسيح وسقوطها في الانحطاط الخلقي. ورافق هذا التحذير وعد بأن الله "سوف يبارك أميركا إذا ما باركت أميركا الله".لا بد هنا من توضيح ما يلي: لقد اعتمد المؤلف في إشارته إلى هذا الامر الديني ـ السياسي على كتاب جون بتلرReligion in America ، غير ان غريس هالسل في كتابها prophecy and politics تنقل عن فالويل نفسه قوله "أن الله يبارك أميركا لأنها تساعد وتدعم اسرائيل". وترددت هذه العبارة أيضاً على لسان بات روبرتسون وجيمي سواغرت وسواهما من الذين ساروا على نهج بيلي غراهام.وقبل الرئيس الحالي جورج بوش كان الرئيس الاسبق رونالد ريغان من أكثر رؤساء الولايات المتحدة تأثراً بأدبيات هؤلاء الوعّاظ. وعندما أشار د. طارق إلى ذلك (ص79) قال: "صحيح أنهم أيدوا رونالد ريغان وأنه كان على صعيد المشاعر والأفكار والأقوال قريباً منهم. إلا أنه لم يلتزم على قدر كاف تحقيق السياسة التي وعد بها ولم يحقق الآمال التي انتعشت في مخيلة الانجيليين المحافظين لجهة منع الاجهاض والعودة إلى إلزامية الصلاة الجماعية والعلنية في المدارس الرسمية". وعندما يتحدث المؤلف عن البعد الديني لقرار الحرب على العراق يلاحظ الدكتور متري انه في معرض التهيئة للحرب على العراق إذا ما اكتفينا بذكر هذا المثل، لا يخفي الاميركيون الذين تحمسوا للغزو إيمانهم بدور خاص لأميركا في تاريخ العالم. وإذا ما تحفَّظوا من استخدام عبارات مثل "الامة المختارة" فإن حديثهم عن القيم الاميركية وشجاعة الاميركيين وصلاحهم كشف عن نظرة إلى الذات والآخر مطبوعة بالماسيانية. تشهد على كل ذلك أقوال كثيرة للرئيس جورج بوش الذي لم يكتف بالقول أن أميركا ستأتي بالحرية للعراقيين، بل ذكرفي خطاب له يوم 26 آذار ـ مارس 2002 ان "رسالة" الجيش الأميركي حيثما حل هي تحرير المقهورين".مع ذلك يقول المؤلف (ص 79) ان الانجيليين المحافظين "اليوم أقل تأثيراً مما كانوا في العقد الأخير من القرن الماضي. وليست قياسات الرأي العام المتوفرة حاسمة على هذا الصعيد، ذلك انها شهدت في الفترة الاخيرة مداً وجزراً لا يؤيد ثبات هذا الاتجاه أو ذاك". هنا أيضاً لا بد من القول انه إذا اتخذنا من مواقف ومن قرارات الرئيس جورج دبليو بوش مقياساً فإن هذا المقياس يؤيد اتجاه المد. ولكن ربما يتحتم علينا ان ننتظر نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة لنعرف ما إذا سيكون بعد هذا المدّ جزر.رسم د. متري في كتابه علامة استفهام في ذهني عندما قال (ص81) "لم يحرض الانجيليون المحافظون بشكل واسع وسافر ومنظم على كراهية المسلمين". حملت علامة الاستفهام هذه إلى الفصل الثالث من الكتاب. فوجدت فيه نقلاً أميناً ومختصراً لنصوص واضحة عن مشاعر كراهية الاسلام (وليس كراهية بعض المسلمين أو حتى جميعهم) أدلى بها إعلام الانجيليين المحافظين. غير ان ما يقلقني أكثر هو ما لاحظه الدكتور متري من أن أصحاب المواقف المسيحية المنفتحة على أهل الاديان الاخرى والساعية إلى علاقة أكثر إنصافاً بين الولايات المتحدة وبلدان العالم، وهم أكثرية داخل النخبة الليبرالية المتدينة، أضعف نفوذاً داخل المجتمع الأميركي مما توحي به حسابات الارقام الباردة. لقد كان موقف الكنائس والمجالس الكنسية العربية والعالمية أساسياً للتأكيد على أن فكرة الحرب الاستباقية لا تنسجم أبداً مع فكرة الحرب العادلة (ص100). وحسناً فعل د، متري عندما استشهد بقول للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والذي كان واعظاً انجيلياً قبل أن يصبح رئيساً، قال فيه (ص103): "بوصفي مسيحياً ورئيساً أميركياً واجه أزمات دولية كبيرة صرت أكثر إدراكاً لشروط الحرب العادلة وبات واضحاً لدي أن هجوماً أحادي الجانب على العراق لا يستوفي هذه الشروط".لقد أشار المؤلف إلى الوثيقة الصادرة عن "معهد الدين والديموقراطية" الذي انتقد تأييد الكنائس الانجيلية المحافظة السافر وغير المشروط لإسرائيل والذي دعا في الوقت نفسه (ص115) إلى "الإصغاء إلى كنائس المنطقة، وتفهّم الأسباب التي تدعو معظم المسيحيين في العالم العربي إلى معاداة اسرائيل، والدعوة إلى سياسة متوازنة لحل النزاع بين اسرائيل والعرب".مع ذلك فإنه من السذاجة توقع استجابة هذه الكنائس لهذه الدعوة. فكما ينقل د. متري في ص123 عن أحد قساوستها وهو في الوقت نفسه رئيس الحزب الجمهوري في ولاية جورجيا رالف ريد "ان ما من برهان أقوى على سيادة الله في عالم اليوم مثل بقاء اليهود ووجود دولة اسرائيل" (ص123).وعندما اجتاحت اسرائيل لبنان في عام 1982 لم تجد ـ كما قال د. متري في الصفحة 136 ـ من يدافع عنها بالقوة التي ظهر فيها موقف الانجيليين المحافظين. وهذا ثابت ومؤكد. وأود أن أضيف إلى ذلك دليلاً رمزياً وواقعياً في الوقت نفسه، وهو أن الجنرال شارون عندما وصل إلى بعبدا على متن دبابته الميركافا، كان يرافقه القس بات روبرتسون. ثم هل يمكن أن ننسى محطة إذاعة وتلفزيون الشرق الأوسط التي كانت تبث من الجنوب عندما كان الجنوب يرزح تحت الاحتلال الاسرائيلي؟ وهل ننسى أن المقاومة اللبنانية ضربت المحطة مرتين، ونجحت في المرة الثانية في توقيفها بعد مقتل مديرها القس روبرتسون نفسه (وهو غير القس بات روبرتسون)؟لقد خصص د. متري الفصل الخامس من الكتاب لأبعاد التحوّلات الدينية في الولايات المتحدة واستشهد بقول لعالِم الاجتماع بريان ولسون يقول فيه: "ان الكنائس الأميركية ظلت تتمتع بشعبية كبيرة لأنها تخلت عن الكثير من دينها".وفي نظر د. متري "لقد تحوّل الانجيليون المحافظون عن مسيحية المحرومين إلى بروتستانتية الازدهار، ومن هاجس الآخرة إلى هموم الدنيا".في اعتقادي أن هذا صحيح، ولكن هذا الغنى والثراء يوظف أساساً لدعم اسرائيل ولتمويل مشاريعها الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة.يبقى التأكيد على أن كتاب د. متري يشكل بكل موضوعية مرجعاً لا غنى عنه لفهم الخلفية الدينية للمجتمع الأميركي. وهذا الفهم هو المدخل العريض إلى حل الألغاز المحيطة بعملية اتخاذ القرار السياسي الأميركي في الشرق الأوسط.(*) ألقيت بمعرض الكتاب بأنطلياس احتفاءً بكتاب طارق متري الجديد الصادر عن دار النهار: "مدينة على جبل، عن الدين والسياسة في أميركا".
============================
السياسة الأمريكية ونبوءات التوراة والإنجيل
ستناول في هذا الفصل مسألة تأثير نبوءات التوراة والإنجيل ، على القرارات السياسة الأمريكية ، وخاصة ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ، لنفهم أبجديات هذه السياسة المنحازة لإسرائيل ، والمعادية للعرب والمسلمين بشكل عام ، والتي اجتهد الكثير من المحللين في تفسيرها وتحليل دوافعها . وخير من تعرّض لهذه المسألة ، وأفاض في بحثها هي الكاتبة الأمريكية ( غريس هالسل ) في كتاب ( النبوءة والسياسة ) ، وهو من منشورات ( الناشر للطباعة ) ، ط3 1990م ، ترجمة محمد السمّاك . ملخص مقدّمة المترجم ( بتصرف ) :يمثل العالم العربي موقعا متميزا وفريدا من نوعه ، في عملية صنع القرار السياسي الأمريكي ، فبالإضافة إلى أهمية موقعه الجغرافي ، وكونه سوقا تجارية استهلاكية ، ويملك أكبر احتياطي من النفط ، فإن هناك عامل آخر ، يتقدم على كل هذه العوامل ، وهو تأثير الفكر المسيحي الديني ، على صياغة القرار الأمريكي ، المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي . حيث نشأ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الماضي ، ما يسمى بالصهيونية المسيحية الإنجيلية القائمة على اعتناق ثلاثة مبادئ :أولا : الإيمان بعودة المسيح ،ثانيا : أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ،ثالثا : وبالتالي تجمّع اليهود في فلسطين .وقد لعب هذا الأمر دورا أساسيا ، في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ، وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها ومساعدتها ، وإعفاءها من الانصياع للقوانين والمواثيق الدولية . وأن شريعة الله وحدها - التوراة – هي التي يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين ، بما أنهم شعب الله المختار .ونتيجة لهذه المعتقدات ظهر الكثير من الحركات الدينية المسيحية الإنجيلية الأصولية في بريطانيا والولايات المتحدة ، وأهم وأخطر هذه الحركات هي ( الحركة التدبيرية ) ، التي نشأت في الولايات المتحدة بعد قيام دولة إسرائيل . وتضمّ في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ، لحظة تأليف هذا الكتاب في أواسط الثمانينيات ، ومن بين أعضائها الرئيس الأمريكي آنذاك ( رونالد ريغان ) وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر الإعلامية الأمريكية ، وتمتلك محطات تلفزة خاصة بها ، ويشارك قادتها كبار المسؤولين في البيت الأبيض ، ومجلس الأمن القومي الأمريكي ، ووزارة الخارجية بصناعة القرارات السياسية والعسكرية ، المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي .ـ وتعتقد هذه الحركة أنّ الله قد وضع في الكتاب المقدس نبوءات واضحة ، حول كيفية تدبيره لشؤون الكون ونهايته ، كما يلي :1- قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها .2- هجوم أعداء الله على إسرائيل ووقوع محرقة هرمجدون النووية ( وأعداء إسرائيل هم الروس والعرب ، وعلى مدى أوسع هم أهل الشرق على اختلاف معتقداتهم ) .3- انتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين .4- ظهور المسيح المخلص وتخليصه لأتباعه ( أي المؤمنين به ) من هذه المحرقة .5- إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة .6- انتشار السلام في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة ألف عام .ـ وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ، هي تدبير وتهيئة - وكأنّ الله قد أوصاهم بذلك - كل الأمور التي من الممكن ، أن تعجّل في عودة المسيح إلى الأرض ، ومن ضمن تلك الأمور :أولا : ضرورة إضعاف العرب عسكريا ،وثانيا : تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ،وثالثا : تعزيز ترسانتها النووية . مقتطفات من مقدمة الكاتبة : تؤكد الكاتبة الأمريكية ( غريس هالسل ) أن بذور هذه المُعتقدات المُدمّرة ، نشأت في نهاية القرن التاسع عشر . وكان رائد هذا الاتجاه في تفسير الكتاب المُقدّس هو ( سايروس سكوفيلد ) ، وقد طُبع أول مرجع إنجيلي له عام 1909م ، زرع فيه آراءه الشخصية في الإنجيل ، وصار أكثر الكتب المتداولة حول المسيحية . وبدأت هذه المُعتقدات في الظهور وتعزّزت ، عندما تتابعت انتصارات إسرائيل على دول الجوار العربية ، وبلغت ذروتها بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان .وتقول الكاتبة : وفي إحدى المناسبات كان ( سكوفيلد ) يذكّر مُستمعيه بأنه : عام بعد عام كان يُردّد التحذير بأن عالمنا ، سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية . ولكنه يقول أيضا : أن المسيحيين المُخلّصين يجب أن يُرحّبوا بهذه الحادثة ، لأنه مُجرّد ما أن تبدأ المعركة النهائية ، فإن المسيح سوف يرفعهم فوق السحاب وسيُنقذون ، وأنهم لن يُواجهوا شيئا من المعاناة التي تجري تحتهم .وتقول : بالرغم من أن بعض الأصوليين لم يتقبّلوا هذه الفكرة ، إلا أنها تسبّبت في انقسام كبير . فهناك مؤشر إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعلّقون بنظرية ( هرمجدون ) في تزايد مُضطرد ، فهُم مثل سكوفيلد يعتقدون أن المسيح وعد المسيحيين المُخلّصين بسماء جديدة وأرض جديدة ، وبما أن الأمر كذلك ، فليس عليهم أن يقلقوا حول مصير الأرض ، فليذهب العالم كلّه إلى الجحيم ، ليُحقّق المسيح للقلّة المُختارة سماءً وأرضا جديدتين .إن استقصاء عام 1984م ، الذي أجرته مؤسسة ( باتكيلو فيتش ) أظهر أن 39 بالمائة من الشعب الأمريكي ، يقولون ، أنه عندما يتحدّث عن تدمير الأرض بالنار ، فإن ذلك يعني ، أننا نحن أنفسنا سوف نُدمّر الأرض ب ( هرمجدون ) نووية . وأظهرت دراسة لمؤسسة ( نلسن ) نُشرت في أُكتوبر 1985م ، أن 61 مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى مُبشّرين ، يقولون أننا لا نستطيع أن نفعل شيئا ، لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا . ـ ومن أكثر الأصوليين الإنجيليين شهرة ، من الذين يُبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية ( هرمجدون ) :1- بات روبرتسون : يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ، مكونة من ثلاث محطات ، عائداته السنوية تصل إلى 200 مليون دولار ، ومساهم في محطة تلفزيون الشرق الأوسط في جنوب لبنان ، يشاهد برامجه أكثر من 16 مليون عائلة أمريكية .2- جيمي سواغرت : يملك ثاني أكبر المحطات الإنجيلية شهرة ، يُشاهد برامجه ما مجموعه 9,25 مليون منزل .3- جيم بيكر : يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ، عائداته السنوية تصل إلى 50-100 مليون دولار ، يُشاهد برامجه حوالي 6 ملايين منزل ، يعتقد أن علينا أن نخوض حربا رهيبة ، لفتح الطريق أمام المجيء الثاني للمسيح .4- أورال روبرتس : تصل برامجه التلفزيونية إلى 5,77 مليون منزل .5- جيري فولويل : تصل دروسه التبشيرية إلى 5,6 مليون منزل ، يملك محطة الحرية للبث بالكابل ، أقام بعد شرائها بأسبوع ، حفل عشاء على شرف جورج بوش نائب الرئيس ريغان آنذاك . وقد أخبر فولويل يومها بأن جورج بوش ، سيكون أفضل رئيس في عام 1988م .6- كينين كوبلاند : يُشاهد برامجه 4,9 مليون منزل . يقول : أن الله أقام إسرائيل . إنّنا نُشاهد الله يتحرك من أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ في دعم حكومتنا ، طالما أنّها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نُشعر الله ، مدى تقديرنا لجذور إبراهيم .7- ريتشارد دي هان : يصل في برنامجه إلى 4,75 مليون منزل .8- ريكس همبرد : يصل إلى 3,7 مليون منزل ، وهو يُبشّر بتعاليم سكوفيلد التي تقول : أن الله كان يعرف منذ البداية الأولى ، أننا نحن الذين نعيش اليوم ، سوف نُدمّر الكرة الأرضية .وتعقّب الكاتبة بقولها : لقد ذكرت ثمانية من الذين يٌقدّمون البرامج الدينية ، ويُبشّرون بنظرية هرمجدون نووية في الإذاعة والتلفزيون ، ومن بين 4 آلاف أصولي إنجيلي ، … هناك 3 آلاف من التدبيريين ، يعتقدون أن كارثة نووية فقط ، يمكن أن تُعيد المسيح إلى الأرض . إن هذه الرسالة تُبث عبر 1400 محطة دينية في أمريكا . ومن بين ألف قسّيس إنجيلي يذيعون يوميا برامج من خلال 400 محطة راديو ، فإن الأكثرية الساحقة منهم من التدبيريين . وتقول : أن بعض هؤلاء القساوسة ورؤساء الكنائس ، هم من القوة بحيث يظهرون كالملوك في مناطقهم .والرسالة التي يُرسلها هؤلاء على الدوام هي : لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح ، وأن أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هو هرطقة ( تخريف وكفر ) إنه ضد كلمة الله ( ضد ما جاء في الكُتب المقدسة ) إنه ضد المسيح . وهذا ما يقوله أيضا ( جيم روبرتسون ) التلفزيوني الإنجيلي الذي دعاه الرئيس ( ريغان ) لإلقاء صلاة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام 1984م .كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) ومؤلفه ( هال لندسي ) : تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ، أصبح الأكثر مبيعا خلال السبعينات ، حيث بيع منه حوالي 18 مليون نسخة ، وفي تعليقها على هذا الكتاب ومؤلفه ، تقول أن المؤلف يفسّر كل التاريخ ، قائلا أن دولة إسرائيل هي الخط التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل . ( ومن ذلك يأتي تقديس النصارى الأمريكان لإسرائيل ، ولاحظ أن هذا الكتاب قرأه ما لا يقل عن 18 مليون أمريكي عند صدوره ، أما الآن فربما قد قرأه معظم الشعب الأمريكي ، وخطورة هذا الكتاب تنبع من كون الأفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف منسوبة إلى الله ، كما أوضح في كتابه المقدّس لديهم ) .ويقول لندسي : أن الجيل الذي وُلد عام 1948م ، سوف يشهد العودة الثانية للمسيح . ولكن قبل هذا الحدث ، علينا أن نخوض حربين ، الأولى ضد يأجوح ومأجوج ( أي الروس ) ، والثانية في هرمجدون . والمأساة ستبدأ هكذا : كل العرب بالتحالف مع السوفييت ( الروس ) ، سوف يُهاجمون إسرائيل . ( وهذا تحذير وتحريض للغرب النصراني ، لمعاداة العرب المسلمين والروس الشيوعيين ) وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف : أن لندسي لا يبدو عليه الحزن ، عندما يُعلن : أن كل مدينة في العالم سيتم تدميرها في الحرب النووية الأخيرة ، وتعقّب الكاتبة : تصوّروا أن مُدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ، ونيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد أُبيدت . ويقول لندسي : إن القوة الشرقية سوف تُزيل ثلث العالم … عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى ، بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل ، ستحين ساعة اللحظة العظيمة ، فيُنقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل ( الفناء ) .ويُتابع لندسي : وفي هذه الساعة سيتحول اليهود ، الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية … سيبقى 144 ألف يهودي فقط ، على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون .( إذن يجب ألا يكترث نصارى الغرب ، بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة مدمرة ، ما دامت مجمل ضحايا هذه الحرب ، ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنيين في الشرق ، غير المؤمنين بألوهية المسيح ، بل عليهم أن يستعجلوا نشوبها بالعمل على تسريع المواجهة بين الشرق والغرب ، حتى يعود المسيح للأرض مرة ثانية ليُنقذ البشرية النصرانية فقط من الاندثار الكامل ) .وقفة مع المُبشّر الإنجيلي ( جيري فولويل ) بعد عرضه لنظرية هرمجدون مستخدما الأدلة التوراتية والإنجيلية . تقول الكاتبة بعد حضورها للعرض : رسم فولويل صورة مُرعبة عن نهاية العالم ، ولكنه لم يبدُ حزينا أو حتى مهتمّا . في الواقع أنهى عظته بابتسامه كبيرة ، قائلا : ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا مُستقبلا رائعا . وفي إحدى تسجيلاته يقول : وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقة ، إنها حقيقة مُركّبة . ولكن نشكر الله لأنها ستكون نهاية العامة ، لأنه بعد ذلك سيكون المسرح مُعدّا ، لتقديم الملك الرب المسيح ، بقوة وعظمة … إنّ كل المُبشّرين بالكتاب المُقدّس ، يتوقّعون العودة الحتمية للإله … وأنا نفسي أُصدّق ، بأننا جزء من جيل النهاية ، الذي لن يُغادر قبل أن يأتي المسيح . ومنذ 2600 سنة تنبأ النبي العبراني حزقيال ، أن أمة ستقوم إلى الشمال من فلسطين ، قبل وقت قصير من العودة الثانية للمسيح … في الفصلين 38 و 39 من حزقيال ، نقرأ أن اسم هذه الأرض هو روش . ويذكر أيضا اسم مدينتين هما ماشك وتوبال … إن هذه الأسماء تبدو مُشابهة بشكل مُثير ، لموسكو وتيبولسك ، العاصمتين الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب حزقيال أن هذه الأرض ستكون مُعادية لإسرائيل ، وأنه من أجل ذلك سيكون ضدها . وقال أيضا أن روسيا سوف تغزوا إسرائيل بمساعدة حُلفاء مُختلفين في الأيام الأخيرة … وقد سمّى هؤلاء الحلفاء : إيران ( التي كنا نُسميها فارس ) ، وجنوب إفريقيا أو إثيوبيا ، وشمال إفريقيا أو ليبيا ، وأوروبا الشرقية ( جومر ) ، والقوقاز جنوب روسيا ( توجرمة ) .بالرغم من الآمال الوردية وغير الواقعية تماما التي أبدتها حكومتنا ، حول اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، إلا أن هذه الاتفاقية لن تدوم . إننا نصلي بالفعل من أجل السلام في القدس … إننا نحترم كثيرا رئيسيّ حكومتيّ إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه ، لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط ، إلى أن يأتي يوم يجلس فيه الإله المسيح على عرش داود في القدس .وفي كتابه ( الحرب النووية والمجيء الثاني … ) ، في فصل الحرب القادمة مع روسيا ، يتنبأ ( فولويل ) بغزو سوفييتي لإسرائيل ... وفي نهاية المعركة سيسقط خمس أسداس الجنود السوفييت ، وبذلك يبدأ أول احتفال للرب . ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلى الأبد ، وسيستغرق دفن الموتى مدة 7 أشهر .الرئيس الأمريكي ( ريغان ) كان أحد فرسان هرمجدون النووية : تقول الكاتبة : كان ( رونالد ريغان ) واحدا ، من الذين قرءوا كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) … في وقت مبكر من عام 1986م ، أصبحت ليبيا العدو الأول ( لريغان ) … واستنادا إلى ( جيمس ميلز ) ، الرئيس السابق لمجلس الشيوخ في ولاية كاليفورنيا ، فإن ( ريغان ) كره ليبيا لأنه رأى أنها واحدة من أعداء إسرائيل ، الذين ذكرتهم النبوءات وبالتالي فإنها عدو الله . وعندما كان ( ريغان ) مرشحا للرئاسة عام 1980م ، كان يُواصل الحديث عن هرمجدون ، ومن أقواله : إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون .إن معظم المؤمنين ( بالتدبيرية ) ، ينظرون إلى روسيا على أنها شيطانية ، وأنها تُمثّل إمبراطورية الشيطان . ولقد جاهر ( ريغان ) بذلك في 8 / 3 / 1983م ، عندما قال : إن الاتحاد السوفييتي هو حجر الزاوية في العالم المعاصر . إنني أؤمن أن الشيوعية فصل حزين وسيئ في التاريخ الإنساني ، الذي يكتب الآن صفحاته الأخيرة . وتقول الكاتبة : يقول (جيمس ميلز ) في مقال صحفي : إن استعمال ( ريغان ) لعبارة إمبراطورية الشيطان … كان إعلانا انطلق من الإيمان الذي أعرب لي عنه ، في تلك الليلة عام 1971م … إن ( ريغان ) كرئيس أظهر بصورة دائمة ، التزامه القيام بواجباته ، تمشيا مع ارادة الله … إن ( ريغان ) كان يشعر بهذا الالتزام خصّيصا ، وهو يعمل على بناء ، القدرة العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها … … صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ، في المعركة الرهيبة ضد قوى الظلام ، إلا أن المسيحيين المحافظين مثل رئيسنا ، لا يسمح لهم التطرف الروحي ، بأن يأخذوا هذا الانتصار كمُسلّمات . إن تقوية قوى الحقّ لتربح هذا الصراع المهم ، هو في عيون مثل هؤلاء الرجال ، عمل يُحقّق نبوءة الله انسجاما مع إرادته السامية ، وذلك حتى يعود المسيح مرّة ثانية … … وبالتأكيد فإن توجهه بالنسبة للإنفاق العسكري ، وبرودته اتجاه مُقترحات نزع السلاح النووي ، متفقة مع وجهة نظره هذه ، التي يستمدّها من سفر الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ، لا يُمكن أن تحدث في عالم منزوع السلاح . إن كل من يؤمن بحتمية وقوعها ، لا يُمكن توقع تحقيقه لنزع السلاح . إن ذلك يُناقض مشيئة الله كما وردت على لسانه … … إن سياسات الرئيس ( ريغان ) الداخلية والمالية ، مُنسجمة مع التفسير اللفظي ، للنبوءات التوراتية والإنجيلية . فلا يوجد أي سبب للغضب من مسألة الدَيْن القومي الأمريكي ، إذا كان الله سيطوي العالم كلّه قريبا .وتقول الكاتبة : وبناء على ذلك ، فإن جميع البرامج المحلية ، التي تتطلب إنفاقا كبيرا ، يمكن بل يجب أن تُعلّق من أجل توفير المال ، لتمويل برامج تطوير الأسلحة النووية ، من أجل إطلاق الحمم المُدمّرة على الشياطين ، أعداء الله وأعداء شعبه ، وأضاف ميلز : لقد كان ( ريغان ) على حق عندما اعتقد أن أمامه فرصة أكبر ، لينفق المليارات من الدولارات ، استعدادا لحرب نووية مع يأجوج ومأجوج ، لو كان معظم الشعب الذي أعاد انتخابه ، يؤمن كما أخبرني ، بما يؤمن هو به ، بالنسبة ( لهرمجدون ) والعودة الثانية للمسيح .الإنجيليون الأصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم : في لقاء للكاتبة مع محام فلسطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ، يعمل في القدس ، بعد أن عاد من أمريكا ليعيش في فلسطين ، في معرض ردّه على سؤال ، عن رأيه في الحجّاج الأمريكيين ، الذين يُنظّمهم المُبشّر ( فولويل ) لزيارة أرض المسيح ، قال : بالنسبة للإنجيليين الأصوليين مثل ( فولويل ) ، فإن الإيمان بإسرائيل يتقدم على تعاليم المسيح . إن الصهاينة يُفسدون تعاليم المسيح . إن صهيونية ( فولويل ) سياسية لا علاقة لها ، بالقيم أو الأخلاق أو بمواجهة المشاكل الحقيقية . إنه يدعو أتباعه إلى تأييد إسرائيل ، ويطلب من دافع الضرائب الأمريكي ، أن يُقدّم لإسرائيل 5 مليار دولار كل سنة . إذ أنه يؤكد لأتباعه وبما أنهم مؤيدون للصهيونية ، فهم على الطريق الصحيح ، وفي الجانب الرابح دوما … وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ( فولويل ) ، يُوفّرون للإسرائيليين الدافع للتوسع ومصادرة المزيد من الأراضي ، ولاضطهاد مزيد من الشعوب ، لأنهم يدّعون أن الله إلى جانب إسرائيل ، وأن العم سام راغب في التوقيع على الفاتورة … إن الإسرائيليين ، يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ( فولويل ) ، يقفون معهم على الدوام ، بغض النظر عما يفعلون أخلاقيا ومعنويا . ومهما بلغوا من القمع ، فإن الإسرائيليين يعرفون أن الصهيونيين المسيحيين الأمريكيين معهم ، ويرغبون في إعطائهم الأسلحة ومليارات الدولارات ، وسيُصوّتون إلى جانبهم في الأمم المتحدّة . المُبشر ( فولويل ) والترويج لإسرائيل سياسيا : في بحث قام به اثنان من الأساتذة الجامعيين عن حياة ( فولويل ) ، يؤكد د. ( غودمان ) أن ( فولويل ) تحوّل من الوعظ الديني ، إلى الوعظ السياسي المؤيد للدولة الصهيونية ، بعد الانتصار العسكري الإسرائيلي في عام 1967م . حيث أن هذا الانتصار المُذهل ، كان له تأثير كبير على العديد من الأمريكيين ، في الوقت الذي كان فيه شعور الهزيمة والخيبة ، يُخيّم على الكثير من الأمريكيين من جرّاء الحرب الفيتنامية ، ومن هؤلاء كان ( فولويل ) الذي نظر إلى الأمر بطريقة مختلفة ، حيث قال : أن الإسرائيليين ، ما كانوا لينتصروا لو لم يكن هناك تدخّل من الله . ونتيجة لذلك بدأ الإسرائيليون باستخدام ( فولويل ) في السبعينيات ، لتحقيق أغراضهم ومطالبهم ، وتأييد سياساتهم لدي الشعب والساسة الأمريكان ، وفي خطاب له عام 1978م في إسرائيل ، قال : إن الله يُحب أمريكا ، لأن أمريكا تُحب اليهود . وفي مناسبات عديدة كان يقول للأمريكيين : إن قدر الأمة يتوقف على الاتجاه ، الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم يُظهر الأمريكيون ، رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلاح ، فإن أمريكا ستخسر الكثير . وقد قامت وسائل الإعلام الصهيونية بإبرازه وتلميع صورته ، ليصبح شخصية سياسية وإعلامية مرموقة على الساحة الأمريكية ، لدرجة أن الرئيس ( ريغان ) رتب له حضور اجتماع مجلس الأمن القومي ( البنتاغون ) ، ليستمع ويُناقش كبار المسؤولين فيه ، حول احتمال نشوب حرب نووية مع روسيا . يُتابع د. ( غودمان ) : في عام 1981م ، عندما قصفت إسرائيل المفاعل النووي قرب بغداد ، تخوّف ( بيغن ) من رد فعل سيّء في الولايات المُتحدّة . ومن أجل الحصول على الدعم ، لم يتصل بسيناتور أو كاهن يهودي ، إنما اتصل ( بفولويل ) … وقبل أن يُغلق سماعة الهاتف ، قال ( فولويل ) ( لبيغن ) : السيد رئيس الوزراء ، أريد أن أهنئك على المهمة ، التي جعلتنا فخورين جدا بإنتاج طائرات ف 16 . وقال د. ( برايس ) : إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ، تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين المسيحي . هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل ، مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة ، كما يعتقد مسيحيو الغرب ، فضلا عن يهود الشرق والغرب : أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ، وفي لقاء مع أحد مستوطني مُستعمرة ( غوش أمونيم ) - مُعقبة على قوله - قالت له : إن بناء هيكل للعبادة شيء ، وتدمير المسجد شيء آخر ، فمن الممكن أن يُؤدي ذلك إلى حرب بين إسرائيل والعرب ، فردّ قائلا : تماما هذا ما نُريده أن يحدث لأننا سوف نربحها ، ومن ثم سنقوم بطرد العرب من أرض إسرائيل ، وسنُعيد بناء الهيكل وننتظر مسيحنا . تقول الكاتبة : لقد زرت قبة الصخرة ، وهي واحدة من أجمل الصروح في العالم – والتي تُقارن بجمال تاج محل – وقد تم بناؤها عام 685م ، بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، وهو البناء الأجمل في القدس . وتقول : على الرغم من أن المسيح دعا إلى إقامة المعابد في النفس ، فإن الأصوليين المسيحيين يُصرّون على أن الله يُريد أكثر من بناء معبد روحي ، إنه يُريد معبدا حقيقيا من الإسمنت والحجارة ، يُقام تماما في الموقع الذي توجد فيه الصروح الإسلامية . ويقول ( لندسي ) في كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) : لم يبق سوى حدث واحد ليكتمل المسرح تماما أمام إسرائيل ، لتقوم بدورها في المشهد العظيم الأخير من مأساتها التاريخية ، وهو إعادة بناء الهيكل القديم ، في موقعه القديم . ولا يوجد سوى مكان واحد يمكن بناء الهيكل عليه ، استنادا إلى قانون موسى في جبل موريا حيث الهيكلان السابقان . نشأة المسيحية الصهيونية تقول الكاتبة : أواخر أغسطس 1985م سافرت من واشنطن إلى سويسرا ، لحضور المؤتمر المسيحي الصهيوني الأول في بازل ، برعاية السفارة المسيحية العالمية في القدس ، لأتعرّف على خلفية الصهيونية السياسية … في أحد مقررات المؤتمر حثّ المسيحيون إسرائيل على ضمّ الضفة الغربية ، بسكانها المليون فلسطيني … فاعترض يهودي إسرائيلي : بأن ثلث الإسرائيليين يُفضلون مقايضة الأراضي المحتلة بالسلام مع الفلسطينيين … فردّ عليه مقرر المؤتمر : إننا لا نهتم بما يُصوّت عليه الإسرائيليون وإنما بما يقوله الله ،والله أعطى هذه الأرض لليهود . وتقول : كان تقديري أنه من بين 36 ساعة … فإن المسيحيين الذين أشرفوا على المؤتمر ، خصصوا 1% من الوقت لرسالة المسيح وتعاليمه ، وأكثر من 99% من الوقت للسياسة . ولا يُوجد في الأمر ما يُثير الاستغراب ، ذلك أن المشرفين على المؤتمر ، برغم أنهم مسيحيون فهم أولا وقبل كل شيء صهاينة ، وبالتالي فإن اهتمامهم الأول هو الأهداف الصهيونية السياسية . وفي بحثها عن أصل الصهيونية السياسية ، الداعية إلى عودة اليهود إلى فلسطين ، تؤكد الكاتبة أن ( ثيودور هرتزل ) لم يكن أصلا صاحب هذه الفكرة ، وإنما كان دُعاتها هم المسيحيون البروتستانت ( ذوي الأغلبية في أمريكا وبريطانيا الآن ) قبل ثلاث قرون من المؤتمر الصهيوني الأول . حيث ضمّ لوثر زعيم حركة الإصلاح الكنسي في القرن السادس عشر ، توراة اليهود إلى الكتاب المقدّس تحت اسم العهد القديم . فأصبح المسيحيون الأوربيون يُبدون اهتماما أكبر باليهود ، وبتغيير الاتجاه السائد المُعادي لهم في أوروبا . وتقول الكاتبة : توجه البروتستانت إلى العهد القديم ليس فقط لأنه أكثر الكتب شهرة ، ولكن لأنه المرجع الوحيد لمعرفة التاريخ العام . وبذلك قلّصوا تاريخ فلسطين ما قبل المسيحية إلى تلك المراحل التي تتضمّن فقط الوجود العبراني فيها . إن أعدادا ضخمة من المسيحيين وُضِعوا في إطار الاعتقاد ، أنه لم يحدث شيء في فلسطين القديمة ، سوى تلك الخرافات غير الموثقة من الروايات التاريخية المدوّنة في العهد القديم . وتقول : في منتصف عام 1600م بدأ البروتستانت بكتابة معاهدات ، تُعلن بأن على جميع اليهود مُغادرة أوروبا إلى فلسطين . حيث أعلن ( أوليفر كرمويل ) بصفته راعي الكومنولث البريطاني الذي أُنشئ حديثا ، أن الوجود اليهودي في فلسطين هو الذي سيُمهّد للمجيء الثاني للمسيح . ومن هناك في بريطانيا بدأت بذرة الدولة الصهيونية الحديثة في التخلّق . وفي خطاب لمندوب إسرائيل في الأمم المتحدّة ( بنيامين نتنياهو ) عام 1985م - الذي أصبح فيما بعد رئيسا لإسرائيل - أمام المسيحيين الصهاينة ، قال : إن كتابات المسيحيين الصهاينة من الإنجليز والأمريكان أثّرت بصورة مُباشرة على تفكير قادة تاريخيين ، مثل ( لويد جورج ) و ( آرثر بلفور ) و ( ودرو ويلسون ) ، في مطلع هذا القرن … الذين لعبوا دورا أساسيا ، في إرساء القواعد السياسية والدولية لإحياء الدولة اليهودية . وتقول : لم يكن حلم هرتزل روحانيا بل كان جغرافيا ، كان حُلما بالأرض والقوة ، وعلى ذلك فإن السياسة الصهيونية ضلّلت الكثير من اليهود … وقد ادّعى الصهاينة السياسيون أنه لم يكن هناك فلسطينيون يعيشون في فلسطين … ويقول ( موش مانوحين ) : أنه انتقل إلى الدولة اليهودية الجديدة ، على أمل أن يجد جنّة روحية ، ولكنّه اكتشف أن الصهاينة لا يعبدون الله ، ولكنهم يعبدون قوتهم . وتقول : لأن يهود أمريكا – مثل ( آندي غرين ) – يعرفون أنه يمكنهم الاعتماد ، على دعم 40 مليون مسيحي إنجيلي أصولي ، فهم يُصادرون الأرض من الفلسطينيين بقوة السلاح . ويقول غرين الذي انتقل إلى إسرائيل عام 1975م ، ولا يزال يحتفظ بجواز سفره الأمريكي : ليس للعرب أي حق في الأرض إنها أرضنا على الإطلاق ، هكذا يقول الكتاب المقدّس إنه أمر لا نقاش فيه . من أجل ذلك لا أجد أي مُبرر للتحدّث مع العرب حول ادعاءاتهم المنافسة لنا ، إن الأقوى هو الذي يحصل على الأرض . غاية إسرائيل من التحالف مع اليمين المسيحي في أمريكا : يوضح ( ناتان بيرلمتر ) يهودي أمريكي ، من حركة ( بناي برث ) – منظمة يهودية - في أمريكا ، أسباب تحالف يهود الولايات المتحدة مع الأصوليين المسيحيين ، بقوله : أن الأصوليين الإنجيليين يُفسّرون نصوص الكتاب المُقدّس بالقول : أن على جميع اليهود ، أن يؤمنوا بالمسيح أو أن يُقتلوا في معركة هرمجدون . ولكنه يقول في الوقت نفسه : نحن نحتاج إلى كل الأصدقاء لدعم إسرائيل … وعندما يأتي المسيح فسوف نفكر في خياراتنا آنذاك . أما الآن دعونا نُصلّي ونرسل الأسلحة . تشير الكاتبة إلى كتاب ( مصير اليهود ) للمؤلفة اليهودية ( فيورليخت ) الذي تصفه بالرائع ، حيث تقول فيه الكاتبة اليهودية : أن أول مساهمة لليهودية كانت القانون الأخلاقي ، وأن عظمة اليهودية لم تكن في ملوكها وإنما في أنبيائها . وأن الله لم يأمر اليهود بالموت ولكنّه أمرهم بالحياة . وتُدلّل على قولها بنص من التوراة لقد وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم أن تختاروا الحياة . وتُضيف : مع ذلك فإن الإسرائيليين بوضع مصيرهم بيد الجيوش والأسلحة ، وبتشريفهم الجنرالات أكثر من الأنبياء . لا يختارون الحياة وإنما يختارون الموت . وتُحذّر من أنّ أولئك الذين يجعلون من إسرائيل إلها يُعبد يدفعوننا في هذا الاتجاه . ـ وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ، مع اليمين المسيحي في الولايات المتحدة : الحصول على المال . أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية . تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس . وتقول على لسان ( إسرائيل شاهاك ) : إن طبيعة الصهيونية هي البحث الدائم عن حامٍ ومعيل . في البداية توجّه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا ، والآن يتوجّهون ويعتمدون كليّا على الولايات المتحدة . وقد أقاموا هذا الحلف مع اليمين المسيحي الجديد ، لكي يُبرّر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل . وتقول الكاتبة : إن للقادة الأصوليين الإنجيليين اليوم قوة سياسية ضخمة . إن اليمين المسيحي الجديد هو النجم الصاعد في الحزب الجمهوري ، وتحصد إسرائيل مكاسب سياسية جمة داخل البيت الأبيض من خلال تحالفها معه . وتنقل الكاتبة : إن ( مارفن ) – أحد زملائها في رحلة الحج - كغيره من اليمين المسيحي الجديد ، يشعر بالنشوة لأنه مع الحليف الرابح . وقد نقل إلي مرة المقطع 110 الذي يتحدّث عن يهوه وهو يسحق الرؤوس ، ويملأ الأرض بجثث غير المؤمنين ، والمقطع 137 الذي يُعرب فيه عن الرغبة من الانتقام ، من أطفال بابليين وإلقائهم فوق الصخور . ثم قال ( مارفن ) : وهكذا يتوجب على الإسرائيليين أن يُعاملوا العرب بهذه الطريقة . ورغم أن ( مارفن ) كان معجبا ومطلعا على نصوص التاريخ التوراتي ، إلا أنه كان جاهلا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي . لأنه يعرف مسبقا كل ما يعتقد أن الله يريد منه أن يعرفه . وقال لي : إن على الأمريكيين أن يتعلموا من الإسرائيليين كيف يُحاربون . ويشارك ( مارفن ) كذلك هؤلاء بالاعتقاد بأننا نحن المسيحيين نؤخر وصول المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأرض من الفلسطينيين . وتخلُص الكاتبة إلى القول : بأن عدة ملايين من المسيحيين الأمريكيين ، يعتقدون أن القوانين الوضعية يجب ألا تُطبق على مصادرة اليهود واسترجاعهم لكل أرض فلسطين ، وإذا تسبّب ذلك في حرب عالمية نووية ثالثة فإنهم يعتقدون بأنهم تصرّفوا بمشيئة الله . وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة بأسماء 250 منظمة إنجيلية أصولية موالية لإسرائيل ، من مختلف الأحجام والعمق في أمريكا ، ومعظم هذه المنظمات ننشأت وترعرت خلال السنوات الخمس الأخيرة ، أي منذ عام 1980م . وتقول الكاتبة في فصل مزج الدين بالسياسة : أن الإسرائيليون يُطالبون بفرض سيادتهم وحدهم ، على المدينة التي يُقدّسها مليار مسيحي ومليار مسلم ، وحوالي 14 مليون يهودي . وللدفاع عن ادّعائهم هذا فإن الإسرائيليين – ومعظمهم لا يؤمن بالله – يقولون : بأن الله أراد للعبرانيون أن يأخذوا القدس إلى الأبد . ومن أجل ترويج هذه الرسالة توجّه الإسرائيليون إلى ( مايك ايفنز ) اليهودي الأمريكي ، الذي قُدّم في أحد المعابد على أنه قسّ تنصّر ليساعد شعبه ، وأنه صديق لجورج بوش ويحتل مكانة مرموقة في الحزب الجمهوري ، ومن حديثه في هذا المعبد قوله : إن الله يريد من الأمريكيين ، نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس ، لأن القدس هي عاصمة داود . ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود ، من أن يكون لليهود حق اختيار عاصمتهم . إذا لم تعترفوا بالقدس ملكية يهودية ، فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا ، إن الله ، سيُبارك الذين يُباركون إسرائيل ، وسيلعن لاعنيها . خاتمة الكتابوفي الخاتمة تقول الكاتبة : فكرت في خيارنا للحياة أو الموت طوال السنين العديدة الماضية ، مستمعة إلى ( جيري فولويل ) وغيره من الإنجيليين ، الذين يطلّون علينا عبر الهاتف والكتاب المقدّس باليد الأخرى ، ناقلين عن كتاب دانيال من العهد القديم ، وعن كتاب سفر الرؤيا من العهد الجديد ، قائلين : أن الله قد قضى علينا أن نخوض حربا نووية مع روسيا ...اقتناعا منهم بأن هرمجدون نووية لا مفر منها بمقتضى الخطة الإلهية ، فإن العديد من الإنجيليين المؤمنين بالتدبيرية ، ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع إسرائيل ، يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشدّ وحشية وأوسع انتشارا ، من أي مجزرة يُمكن أن يتصورها عقل ( أدولف هتلر ) الإجرامي … لقد وجدت فكرهم الوعظي تحريضيا تصادميا في حثّهم على الاستعداد لنهاية العالم ، إنهم يدفعونني إلى الاعتقاد بأننا قطعنا مسافة طويلة بعيدا عن بداياتنا كبشر . إن معظمنا يتمسك باعتبار حسن الجوار كعلاقة رائعة في حياتنا المتحضرة ؛ معاملة الآخرين كما نحب أن يُعاملونا ، وفوق ذلك عاش الكثيرين بهدف أكثر نبلا ؛ وهو مغادرة هذه الدنيا في حاله ، أفضل من تلك التي وجدوها عليها . بعد هذا العرض لبعض ما جاء في هذا الكتاب ، نستطيع القول أن الحلف المنعقد بين إسرائيل والولايات المتحدّة ، هو حلف عقائدي عسكري تُغذيه النبوءات التوراتية والإنجيلية . لدرجة أن الكثير من أفراد الشعب الأمريكي الضالّ يتمنى لو أنه ولد يهوديا ، لينعم بالانتساب إلى شعب الله المختار ، الذي يقاتل الله عنهم في جميع حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين . ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود وبمقاومتنا للاحتلال الصهيوني ، نمنع الله من تحقيق إرادته بإعطاء أرض فلسطين لليهود . فالشعب الأمريكي ينظر على أن اليهود هم جنود الله ، وأن الفلسطينيون هم إرهابيون وجنود الشيطان ، وأن قلة قليلة من شُرفاء أمريكا يعتقدون بعكس ذلك ، من الذين سبروا أغوار الحقيقة ودرسوا التاريخ والجغرافيا والواقع بعين العدالة والإنصاف ، حتى أن بعضهم طعن في مصداقية كتبهم المُقدّسة ، ولكن كل جهود الشرفاء من مواقف ومحاضرات وبرامج ومؤلفات ذهبت أدراج الرياح ، ذلك لأنهم قلة ولا يملكون ما يملكه اليهود وأتباعهم من القوة والمال ، فكانوا كمن يُجدّف بالرمال . ـ ونستطيع تلخيص العلاقة ما بين إسرائيل وأمريكا ( اليهود والنصارى ) كما يلي :
· أن التحالف بين الدولتين ، فضلا عن كل شيء ، هو حلف ديني عقائدي ، أقوى من أي معاهدة أو اتفاقية مكتوبة على الورق . كل من الأمريكان والإسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم . يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه .
· ويتفق الطرفان على وجوب سيطرة اليهود على فلسطين كاملة ، واتخاذ القدس عاصمة للدولة اليهودية ، ومن ثم يتوجب عليهم إقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى ، وأن هذه الأمور ما لم تأخذ مجراها على أرض الواقع فإنها ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين . · وأن ظهور المسيح سيكون مسبوقا بحرب مُدمرة ستقع بين إسرائيل وأعدائها ، تحصد ما لا يُعدّ ولا يُحصى من أرواح البشر وتنتهي بخراب الأرض ، وروّاد المؤامرة اليهودية العالمية يبذلون قصارى جهدهم لإشعالها ، لقطف ثمار مخططهم الشيطاني بإثارة الفتن وافتعال الأزمات . وبناء على ذلك ، تجد أمريكا نفسها ملزمة عقائديا بتسليح إسرائيل ما أمكنها ذلك ، وبدعمها في كل مخططاتها داخل فلسطين وخارجها ، استعدادا لوقوع هذه الحرب المدمرة لضمان انتصار إسرائيل وحلفائها ضد أعداء الله . هكذا هي المعادلة بكل بساطة ، فساسة الشعب الأمريكي جملة وتفصيلا صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم ، وما عبادة الأمريكيين لإسرائيل إلا لتقرِّبهم إلى الله زلفى ، ولذلك يسعى الأمريكيون قبل الإسرائيليون لتلبية متطلبات مجيء المسيح ، وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة الغرب رفع ظلم صهاينة الشرق . ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء وبدأنا بتتبّع الرؤساء الأمريكيين المتأخرين ، لتبين لنا أن الرؤساء من الحزب الديموقراطي كانوا أكثر اعتدالا وأكثر ميلا إلى السلام مع العرب وروسيا ، بغض النظر عن مفهومهم له ، وأقل تجاوبا مع متطلبات كل من الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية الأصولية المُتطرّفة ، كما هو حال الرئيس ( كارتر ) – الذي انتهت ولايته عام 1980م – حيث أُنجزت في عهده اتفاقية ( كامب ديفيد ) بين مصر وإسرائيل ، والرئيس ( كلينتون ) ، 1992-200م ، الذي أُنجزت في عهده اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل ، وحاول جاهدا صنع ( كامب ديفيد ) أخرى مع الفلسطينيين ، رغم خروجه عن النص بمحاولاته الخجولة لإرضاء هؤلاء بقصف مصانع الأدوية السودانية وقصف العراق بين حين وأخر . ولتبين لنا أيضا ، أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسيحي الإنجيلي التوراتي الأصولي المتطرّف ، كانوا أكثر تطرفا وعدوانية وأقل اهتماما بالسلام ، ويتجاوبون مع متطلبات اليهود بل يُنفّذونها بحذافيرها . فالرئيس ( ريغان ) 1980-1988م شنّ الحرب على ليبيا ، وتم في عصره ضرب المفاعل العراقي واجتياح بيروت ، واشتعلت في عصره نيران الحرب الإيرانية وتم إطالة أمدها وانتهت بنهاية ولايته . والرئيس ( بوش الأب ) ، 1988-1992م ، شنّ الحرب على العراق وفرض عليه الحصار ، وتم إسقاط الشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفييتي ، وأعلن عن نظامه العالمي الجديد المذكور في بروتوكولات اليهود . ومؤخرا جاء دور ( بوش الابن ) ، ليُكمل سلسلة جرائم أسلافه من الجمهوريين ، ويُنفذ ما أُعدَّ له هؤلاء من برامج مسبقة ، كان أبالسة اليهود قد خطّوها ، قبل وصوله لسدة الحكم ، كما خطّ أجدادهم أسفار التوراة والإنجيل ، وبروتوكولات الحكماء ، فيما يُسمّى ( بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى 2001 ) ، حيث بدأ بتنفيذ ما جاء فيه من أوامر ، فور تسلّمه للسلطة : 1. ضرب بغداد دون سابق إنذار ، وبدأت إدارته بالترويج للعقوبات الذكية ، التي طالب بها خبثاء معهد واشنطن . 2. وأظهر عداءه لروسيا والصين . 3. وطلب الرئيس المصري لمعاقبة مصر على موقفها المتشدّد مع إسرائيل في قمة القاهرة ، بخفض المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة فيما لو أصرّت على ذلك . 4. وصرّح عن رغبته في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس . 5. ودعم إسرائيل في قمعها لانتفاضة الإرهابيين الفلسطينيين ، وبرّر وما زال يُبرّر جرائمها .6. وظهر هناك من يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ، من اللبنانيين المدعومين بالأموال اليهودية تحت غطاء الدين . 7. وقام وزير الخارجية بجولة في دول المنطقة ، لشرح السياسة الجديدة التي جاء بها هذا التقرير ، الذي تمت صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ، بناء على المخاوف النبوية التوراتية . تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لعام 2001م موقع هذا التقرير باللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت هو : http://www.washingtoninstitute.org/pubs/psg/psg2000.htm يُؤكد هذا التقرير الذي تمّ إنجازه بتاريخ 12 – 12 – 2000م أن مصير هذه المنطقة ، مرهون بما جاء من نبوءات في الكتب المقدّسة ، ومرهون أيضا بكيفية تفسيرهم لهذه النبوءات . وإذا اطّلعت على هذا التقرير ، فستجد أنه يوضح السياسات التي يتوجب على الرئيس الأمريكي نهجها ، للسيطرة على هذه المنطقة واستعباد شعوبها ، ستجد أنها قد رُسمت بدهاء ومكر ، على طريقة دسّ السم في العسل ، بناءً على المخاوف اليهودية المنبثقة من النبوءات التوراتية . حيث أن مُجمل بنود هذا التقرير ، جاءت لدرء المخاطر عن الدولة اليهودية فقط لا غير . وفيما يلي سنعرض من فصول هذا التقرير الخمسة ، بعض المقتطفات شديدة التعلق بموضوع هذا الكتاب . وقد نُشر هذا التقرير مترجما على حلقات ، في جريدة العرب اليوم الأردنية ، في النصف الأول من شهر آذار 2001م .تأسس معهد واشنطن الذي قدم هذه التقرير عام 1985م ، وهو يعمل كوحدة للبحوث تابعة للجنة للعلاقات العامّة الأمريكية الإسرائيلية ، المسماة بِ ( ايباك ) ، وهي المُنظمّة الصهيونية الأولى في الولايات المُتحدة ، التي تُعتبر خط الدفاع الأول عن إسرائيل ، ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا ومسيحيين صهاينة في الفكر والمعتقد . وقد تطوّر هذا المعهد ليصبح مصدر التأثير الأعظم ، في صنع القرارات السياسية الخاصة بالمنطقة ، التي تتخذها الإدارات الأمريكية المتعاقبة . ويصدر هذا التقرير في بداية كل ولاية رئاسية جديدة ، ليكون نورا يهتدي به الرئيس الأمريكي الجديد ، ونجاح هذا الرئيس وفشله لدى سادته اليهود ، يعتمد على مدى التزامه ، ومقدار ما أنجزه من الأهداف الواردة في التقرير ، وهذه المنظّمة على علاقة وثيقة مع الرؤساء والساسة الأمريكان .الفصل الأول : دبلوماسية عربية إسرائيلية - اردع الحرب الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية ، واستطلع مسالك جديدة .تقويم دروس تجربة أوسلو ، واستطلاع مسارات بديلة للسلام : التأكيد على أن الولايات المتحدة حليفة لإسرائيل ، وأنها لا ترتبط معها بأحكام ومعاهدات مكتوبة ، وإنما بروابط أقوى من القيم والمصالح المشتركة . المضي قدما في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى الموقع المقرر في القدس الغربية .تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر الإقليمي : التركيز على الدول الموالية للغرب : تحتاج الولايات المتحدة إلى التواصل مع الزعماء العرب والمسلمين ومع شعوبهم ، في السعي إلى إشراكهم في حوار صادق وصريح حول آراء ومصالح كل منهم . إذ أنّ دور الدول الموالية للغرب في المنطقة مهم جدا ، في وضع الأجندة السياسية الاجتماعية الثقافية للشرق الأوسط ، ويصدق ذلك بشكل خاص على مصر وتركيا ، والعربية السعودية والمغرب والأردن . وقد اتضح ذلك أثناء قمة كامب ديفيد 2000م وبعدها ، عندما أدى غياب التشاور مع الدول العربية الرئيسية ، حول قضية القدس خصوصا إلى تقليص فرصة قبول عرفات ، بأي من الحلول المختلفة التي طُرحت في الاجتماع . تتحمل مصر من بين جميع الدول المسؤولية الأكبر بصفتها الدولة العربية الأقوى ، والدولة التي تحمل إجراءاتها الأثر الأكثر أهمية في المنطقة . إذ تُعتبر تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك ، ضد أي توسيع للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ، وضد تحويله إلى حرب عربية إسرائيلية جدارا واقيا ، بوجه انتشار المزيد من الراديكالية ( أي التوجه المعادي لإسرائيل وأمريكا ) . المثلث الإسرائيلي اللبناني السوري : ينبغي على الإدارة الأمريكية الجديدة ، أن تُعزّز قوة الردع الإسرائيلية ضد احتمالات تعرضها لهجمات برية أو صاروخية ، تقوم بها قوات حزب الله المدعوم من سوريا وإيران . على الإدارة الأمريكية أن تدعم الحركة الناشئة في لبنان ، والداعية إلى الضغط من أجل المزيد من الحرية في الداخل ، وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على الشؤون اللبنانية . الفصل الثاني : أسلحة الدمار الشامل - امنع الانتشار واردع الاستخدام . من الممكن أن تشهد السنوات الأربع المقبلة ، تحقق تقديرات الاستخبارات الأمريكية ، بأن إيران سوف تطور نظاما صاروخيا متعدد المراحل ، يُمكّنها من تطوير صاروخ عابر للقارات . ومن الممكن خلال الفترة نفسها أن يُطور العراق أو إيران سلاحا نوويا ، خصوصا في حالة حصولها على الوقود النووي ، بصورة سرية من الاتحاد السوفييتي السابق مثلا . والحصول عليها من قبل جماعات إرهابية بمساعدة بعض الحكومات .الكثيرون في المنطقة يتهمون الولايات المتحدة بازدواجية المواقف ، فيما يتعلّق بقدرة العراق النووية . فعلى الرغم من القلق الذي تولّده الأسلحة النووية ، من وجهة النظر الداعية إلى عدم الانتشار . فإن هذه الأسلحة توفر لإسرائيل هامشا من الأمن ، يمكنها من المجازفة بعقد السلام مع جارات معينة . في الوقت الذي تطور فيه دول أخرى في المنطقة - ما زالت تهدد بتدمير إسرائيل ( أي العراق ) - الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك التهديدات . الفصل الثالث : الإرهاب - اعمل على تقوية الرد على التهديدات الجديدة . اعزل جهود مكافحة الإرهاب عن ديناميكيات العملية السلمية ، وعزز الرد على التحديات المستمرة :ينبغي على الولايات المتحدة ، أن تتبع سياسة لا تسامح فيها : ففي الوقت الذي يحق للسلطة الفلسطينية ، أن تختلف مع إسرائيل حول القضايا الدبلوماسية ، فإن العلاقة الأمريكية الفلسطينية يجب أن تدفع ثمن التهاون ، الذي تُبديه السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الإرهاب .ينبغي على الولايات المتحدة أن تُعزز جهودها الرامية للارتقاء بالتعاون الدولي ، ضد شبكات العنف الإسلامية المُتطرّفة . وينبغي أن تعمل مع دول أوروبا والشرق الأوسط ، لممارسة ضغط جماعي على تلك الدول القليلة التي ما زالت تقدم الملاذ للإرهابيين ، أو تغض النظر عنهم وهي إيران وباكستان واليمن وأفغانستان .* وقفة قصيرة مع مقال ، في جريدة الدستور الأردنية الصادرة ، بتاريخ 5 – 7 – 2001م ، نقلا عن رويترز : ( تصدير المقال : في حال هاجم ابن لادن مصالح أمريكية - واشنطن تُهدّد طالبان بانتقام عسكري ) واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية الأمريكية ( ريتشارد أرميتاج ) : أن الولايات المتحدّة قد تشنّ انتقاما عسكريا على حركة طالبان ، إذا شنّ أسامة بن لادن على هجمات مصالح أمريكية . وكان ( أرميتاج ) يُعقّب على تحذير قدّمه إلى طالبان ، سفير الولايات المتحدة لدى باكستان ( ويليام ملام ) في اجتماع عُقد في إسلام أباد يوم الجمعة الماضي . وقال مسؤول في طالبان لرويترز أن طالبان التي توفر المأوى لابن لادن ، تم إبلاغها بأنها ستتحمل المسؤولية عن أي هجمات على مصالح أمريكية … ، انتهى . طور الاستخدام الفعّال لأدوات السياسة الأمريكية المتوفرة : لإخضاع الإرهابيين للإدانة الجنائية ، يتحتم على الولايات المتحدة متابعة الالتزام بملاحقة أولئك المجرمين ، حتى وإن واجه الأمر عقبات دبلوماسية . على الحكومة الاتحادية العمل على إيقاف المناصرين المحليين المؤيدين للجماعات الإرهابية ، ( المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات الجهادية في فلسطين ) . لقد تقلص عدد الدول الداعمة للإرهاب إلى سبع دول ، وآخر الدول التي رُفع اسمها هي العراق عام 1982م وأعيد عام 1991م أما آخر اسم أُضيف للقائمة هو السودان عام 1993م . على الرئيس كجزء من عملية إعادة النظر ، أن يُفكر بتحديد الطرق التي تستطيع من خلالها تلك الدول من رفع اسمها من القائمة ( أي وضع متطلبات جديدة لشهادات حسن السيرة والسلوك الأمريكية ) . وخصوصا تلك التي أظهرت اهتماما بذلك مثل ليبيا والسودان وسوريا ، بعد ذلك يجب ربط درجة الدعم المقدّم للإرهاب بدرجة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ، وكذلك بمستوى التعامل الذي يقوم بين الحكومة المعنية وحكومة الولايات المتحدة .
الفصل الرابع : العراق وإيران - اعمل من أجل التغيير . إن الموقف من العراق وإيران ، يُعتبر من أهم القضايا السياسية التي تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة . فكلٌ من الدولتين يُعتبر لاعبا مُهمّا في الخطرين الرئيسين ، اللذين يتهددان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ( والمصالح هي وجود إسرائيل فقط ) . واللذين حدّدهما هذا التقرير بزعزعة العملية السلمية – لدرجة الانزلاق نحو الحرب – وبامتلاك أسلحة الدمار الشامل .في إيران يبدو التغيير يلوح في الأفق ، وأنه سيكون ثمرة للديناميكيات السياسية الداخلية . أما بالنسبة للعراق فإن القصة مختلفة ومن الأمور المُحزنة ، كوننا مقتنعين بأن التغيير في العراق يكاد يكون مرتبطا بصورة حتمية بالعنف ، أي بانقلاب أو بانتفاضة داخلية ، … ، ينبغي على الرئيس الأمريكي أن يُطور استراتيجية شاملة ، تنطوي على خطوات فعّالة تهدف إلى الضغط على صدام حسين في عدة جبهات .وحتى يحين موعد التغيير في العراق وإيران ، فإن على الولايات المتحدة أن تواجه التحدي لاحتواء الضرر الذي تسببه هاتان الدولتان ، بالإضافة للعقوبات والقيود المفروضة على الصادرات من أجل تقليص الموارد ، التي يمكن أن تُخصّصها الدولتان للتحديث العسكري ونشر الأسلحة ، والحصول على التكنولوجيا اللازمة لذلك .وضّح التهديد الذي يُمثّله صدام حسين لمصالح الولايات المتحدة : نعتقد أن من المهم تحديد تلك المصالح الأمريكية الحيوية التي يمكن لصدام أن يُهدّدها ، ووضع خطوط حمراء تُشكّل عند تجاوزها تحدّيا غير مقبول ، يستدعي ردا عسكريا أمريكيا واسع النطاق .ما أن يتم الانتهاء من هذه المراجعة ، يتوجب على الرئيس ، أن يطرح مقرراتها على الشعب ، كتهيئة لاحتمال وقوع مواجهة عسكرية واسعة النطاق مع صدام إذا ما اقتضى الأمر … في حالة العدوان خارج أراضيه أو استخدامه لأسلحة الدمار الشامل ، أو حتى نشرها في حالات معينة أو عدوانه على الأكراد . ـ يُقصد بالقوة واسعة النطاق : أولا ؛ حملات القصف المتواصلة ضد الأهداف التي تحمي النظام ، ثانيا ؛ إذا كانت الانتهاكات العراقية خطيرة بما يكفي يعني إرسال قوات أرضية ، بقدرات كافية بمشاركة الحلفاء لغرض إحلال التغيير في النظام العراقي ، ثالثا ؛ في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل ، يتوجب استخدام جميع الوسائل المُتاحة ضد نظام صدام حسين ( أي استخدام السلاح النووي ) . على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة ، للعمل بالتنسيق مع الحلفاء الرئيسيين وبالأخص السعودية والكويت وبريطانيا . وبذل مزيد من الجهد لإقناع تركيا ، بلعب دور أكثر فاعلية في الرد على التحدّي الذي يُمثّله صدام حسين . أحد الخطوط الصفراء التي تجاوزها صدام بالفعل ، هو التوقف عن التعاون مع مفتشي الأسلحة . أظهرت دروس التاريخ الأليمة ، أن صدام لا يسمح بعمليات تفتيش ، تكشف ما تبقى من برامجه لإنتاج الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل ، كما أن الأسرة الدولية غير مستعدة لتأييد استخدام القوة لإرغام صدام على التعاون . إلى جانب التفتيش المهني الدقيق الذي يجب أن تصرّ الولايات المتحدة عليه . يوجد عنصر مهم آخر ، هو الدعم الذي يجب أن توفره واشنطن لجماعات المعارضة العراقية كعنصر إضافي لاحتواء صدام . ضمن عملها مع المعارضة العراقية ، ينبغي للولايات المتحدة أن تضع رؤية أوضح لعراق ما بعد صدام ، على واشنطن أن توضح أنه كلما ازداد العراق مسالمة وانفتاحا وديموقراطية كلما ازداد دعمها له . حوّل العقوبات إلى أداةٍ لانفتاح العراق : نعتقد بأن على الولايات المتحدة ، أن تقوم بمجهود عاجل لتركيز العقوبات على نحو أكثر حدّة على صدام ونظامه العسكري . من أجل ذلك ينبغي لواشنطن ، أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة صياغة العقوبات ، بدلا من أن توافق مرغمة على خطوات يفرضها الآخرون . في الوقت نفسه ، ينبغي للولايات المتحدة التوجه للمنظمات الإنسانية ، لتحسين طرق إيصال المساعدات للشعب العراقي . بدلا من أن تكرّس هذه المنظمات ، الكثير من جهدها لانتقاد السياسة الأمريكية إزاء العراق . وأن تُظهر لهذه المنظمات أنها تشاركها همومها الإنسانية ، مؤكدة بأن السبب في معاناة الشعب العراقي هو حكومة العراق الاستبدادية ( أي استخدام النفاق السياسي ) . ينبغي للقيود التي فُرضت على السفر من تلك الدولة أن تُعكس بشكل تام . سيكون من الأفضل تشجيع التبادل الفردي ، وسفر العراقيين العاديين ومنع سفر المسؤولين العراقيين وأفراد أسرهم ، من الذين يُعيقون تنفيذ قرارات مجلس الأمن ، أو الذين يُشتبه بارتكابهم جرائم حرب ، أو انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان . لقد حصل هذا النوع من العقوبات الذكية على التأييد في الأمم المتحدة عندما طُبق على يوغسلافيا . الفصل الخامس : الاستراتيجية الإقليمية : استثمر في العلاقات الحاسمة . على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تأخذ زمام المبادرة ، في توسيع التواصل الثقافي والتربوي مع الدول العربية والمسلمة ، لغرض تطوير المعرفة المحلية ، بثقافة ومجتمع وسياسة الولايات المتحدة وتفهُّمها . وإيجاد وسائل لمحاربة الانطباع الخاطئ ، المتفشّي في الشرق الأوسط حول معاداة أمريكا للإسلام والمسلمين . في الطرف الآخر من الطيف ، ينبغي للدبلوماسية الأمريكية أن تُبرز العيوب الفاضحة لدول المنطقة التي تمارس أقصى حد من انتهاكات حقوق الإنسان ، وبالأخص العراق والسودان وليبيا وسوريا . تقوية العلاقات الثنائية المهمة : إسرائيل : أكد على التحالف غير المكتوب ، فهو يعكس عمق ينابيع الدعم والتآخي الذي يشعر به الشعب الأمريكي إزاء إسرائيل ، والذي يشمل كافة الأطياف السياسية الأمريكية . ينبغي على الإدارة أن تأخذ زمام المبادرة في الارتقاء بشراكتها لإسرائيل ، إلى مستوى مواجهة التهديدات الاستراتيجية المشتركة … وسط جو التهديدات الجديدة ومع اضطراد تقدّم الأسلحة الحديثة . فإن على الإدارة أن تواجه التحدي السياسي المتمثل في التوضيح لجارات إسرائيل ، بأن أمريكا سوف تعارض أي مجهود ، للتوصل إلى مستوى الندية الاستراتيجية مع إسرائيل . دول مجلس التعاون الخليجي : تقوية الأمن النفطي والعسكري والاقتصادي ، لضمان استمرار تدفق النفط بأسعار مناسبة . على الولايات المتحدّة تعميق دعمها للإصلاحات الاقتصادية في تلك الدول ، بسبب مصلحتها في استقرار الأنظمة الملكية الخليجية . مصر : لدى مصر قدرة على لعب دور إيجابي ، في تعزيز الاعتدال والاستقرار في المنطقة ، أو لعب دور سلبي في تعقيد وإعاقة مبادرات الولايات المتحدة الإقليمية . ولو حافظت مصر على وضعها المقبول فإن على الولايات المتحدة ، أن تكون مستعدة للمضي قدما في مبادراتها الاقتصادية . الأردن : ادعم السلم مع إسرائيل ، واحذر من العودة إلى احتضان عراق صدام . أما على الجانب العسكري فينبغي له المساعدة في عملية التعامل مع الأمن الحدودي ، ومكافحة الإرهاب ، والخطر العراقي المحتمل . أحد الأسباب المبررة لتقديم معونة أمريكية كبيرة هو المسعى الذي يبذله العراق ، لجذب الأردن بتقديم مساعدة نفطية 600-900 مليون دولار . ولإحباط الإغراء العراقي ، بوسع دول الخليج تقديم النفط بشروط ملائمة ، وتوسيع دائرة التجارة ، واستخدام العمالة الأردنية . تركيا : يُعتبر بقاؤها ، كدولة ديموقراطية علمانية موالية للغرب ، مصلحة حيوية للولايات المتحدة . حيث تلعب تركيا دورا مركزيا في عملية احتواء العراق .ادعم التعاون ما بين شركاء أمريكا الإقليميين ، ومن ضمنها إسرائيل وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر . إنّ التعاون بين تركيا وإسرائيل ، يُعتبر الأفضل بين جميع حالات التعاون الأمني الإقليمي في المنطقة . الإطار الاستراتيجي : لدى الولايات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الأوسط ، من بينها ؛ منع وقوع الحرب ، وتسهيل التقدم باتجاه سلام عربي إسرائيلي ، وضمان أمن وسلامة إسرائيل ، وتوطيد الاستقرار والأمن والرفاهية والتنمية ، في تركيا والدول العربية المعتدلة ، والمحافظة على حرية تدفق النفط وبأسعار معقولة . بعد الانتصار في الحرب الباردة ، وحرب الخليج في مطلع التسعينيات ، تمكنت الولايات المتحدة من ممارسة الزعامة في مجالين مهمين ، هما ؛ بناء السلام العربي الإسرائيلي وتعزيز الأمن في الخليج .العولمة : على مدى العقد الأخير ، كان سجل المنطقة مشوشا بالنسبة للعولمة ، فمن جانب لم تستطع الحواجز الوطنية القوية ، أن تمنع انتشار وسائل الإعلام الحديثة ، مثل القنوات الفضائية العربية ، التي أنهت – بمصاحبة الإنترنت – سيطرة الدولة على المعلومات ، كما تم الاعتراف على مستوى المنطقة باقتصاد السوق ، والانفتاح على التجارة والاستثمار الدوليين ، بصفتها أفضل الطرق لتحقيق التنمية … إلا أن الشرق الأوسط يُعتبر خاسرا نسبيا في سباق العولمة ، فحصّته في التجارة العالمية في تدهور مستمر .بفضل أجهزة الفيديو والمحطّات الفضائية والإنترنت ، وأخيرا وليس آخرا . فمن المحتمل جدا ، أن يرتدي المتظاهرون في رام الله أو طهران بنطلونات وأحذية من إنتاج أمريكي . * بقولهم هذا ، يكشف رواد العولمة ودعاتها ، عن الوجه القذر لها ولغاياتها ، بشقيّها الثقافي والاقتصادي ، فغايات العولمة هي : أولا : مسخ الهوية العربية والإسلامية بشكل خاص والشرقية بشكل عام ، باستهلاك الثقافة الأمريكية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة . ثانيا : ومن ثم جعل جميع دول العالم سوقا مفتوحة ، للمنتجات الأمريكية بمختلف أنواعها ، بإجبار الحكومات على رفع القيود ، التي وُضعت لحماية ودعم الصناعات الوطنية . إذ ليس هناك أي أهمية تُذكر لدى رواد العولمة ، بالنسبة لتظاهرك ضد إسرائيل وأمريكا ، وحرق أعلامها وصور زعمائها ، بما أنك تدعم في نفس الوقت اقتصاد الدولتين باستهلاك منتجاتهما ، مما يُساهم بزيادة النمو الاقتصادي فيهما ، وأمريكا سيطرت على العالم اقتصاديا ، وبذلك تمكّنت من السيطرة عليه عسكريا . انهيار تحالف حرب الخليج : على المستوى الدولي ، ما زالت هيمنة أمريكا الإقليمية على ما كانت عليه ، إلا أن هناك تصاعدا ، في عزم القوى الأخرى وقدرتها ، على التأثير في مجرى الأحداث في الشرق الأوسط ، خصوصا باتجاه إعاقة السياسة الأمريكية في المنطقة . ويبرز في هذا المجال ثلاثة لاعبين مهمين : روسيا : أصبحت روسيا أكثر قومية خلال العقد الماضي ، وازدادت شكوكها فيما يتعلق بعلاقاتها مع الولايات المتحدة … لكنها أصبحت من جديد لاعبا مُثيرا للمشاكل … دأبت روسيا على تقويض جهود الأمم المتحدة ، الرامية إلى السيطرة على التسلح وفرض العقوبات ، حتى أن الرئيس الروسي مؤخرا أثنى بنفسه على التعاون التام بين موسكو وبغداد . لم تُبدِ روسيا تعاونا يُذكر مع مساعي الولايات المتحدة المدعومة بدولارات المساعدات ، للحيلولة دون انتشار أسلحة الدمار الشامل وتكنولوجيا الصواريخ ، من روسيا إلى الشرق الأوسط وخصوصا إلى إيران . الصين : فالصين ، تمتلك القدرة على تغيير ميزان القوى الإقليمية ، بتزويد دول في المنطقة بتكنولوجيا الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل . في الوقت الذي تستطيع الصين فيه أن تصبح قوة إيجابية بالنسبة لنمو اقتصاد العولمة ، إذا ما واصلت فتح أسواقها وخصخصة اقتصادها . أوروبا : على سبيل المثال لعبت الدول الأوروبية ، دورا مهما في تسهيل الدبلوماسية الهادئة بين إسرائيل والفلسطينيين . وفي تأمين التمويل السخي للسلطة الفلسطينية بعد عام 1993م . وفي فرض مناطق حظر الطيران شمال وجنوب العراق . إن مما يُؤسف له أن فرنسا قد أصبحت العقبة الكبرى ، في طريق تحقيق التنسيق الأمريكي الأوروبي ، حول الكثير من قضايا الشرق الأوسط ، خصوصا تلك المتعلقة بالعملية السلمية والسياسة المُتبعة إزاء العراق . على خلفية هذا الإطار الاستراتيجي ، نعتقد بأن الشرق الأوسط مرشح لأن يكون منطقة مضطربة ، خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي الجديد . سيتغذى بعض ذلك الاضطراب ، على مشاعر عدم الرضا والرغبة في تحقيق الوحدة ، والأمور غير المنجزة في النزاع العربي الإسرائيلي . كما أن بعضا منه ، سوف يتولد نتيجة التغييرات البركانية التي تنتظر إيران . وسوف ينتج بعضه الآخر عن ردود الفعل المترتبة ، على عودة انبعاث صدام حسين . يحتاج الرئيس الأمريكي الجديد وكبار مساعديه ، لإدراك أن الشرق الأوسط يدخل القرن الواحد والعشرين ، بقيادة زعماء جدد بلا خبرة ، يتولون الزعامة من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي ، باقتصاديات راكدة وبأسلحة مرعبة عالية التقنية ، لها القدرة على نقل النزاعات إلى شواطئ أمريكا . إن لجنة الدراسة الرئيسية ، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط الأدنى قد وضعت هذا التقرير ، من أجل تقديم النصح للرئيس الأمريكي الجديد ، حول الطرق الكفيلة بإدارة هذه اللحظة العاصفة ، على نحو يحمي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها … انتهى الاقتباس . بنود هذا التقرير اليهودي المقدّم للرئيس الأمريكي واضحة وربما لا تحتاج لتعليق ، فالمخاوف والأهداف التوراتية واضحة ، خلف ما يدّعي اليهود بأنه مصالح للولايات المتحدّة ، تقضي بتحجيم وتدمير ثلاثة قوى ، ذات الخطر الأكبر على مستقبل الدولة اليهودية في المنطقة ، حسبما أوضحته التفسيرات الجديدة للنبوءات التوراتية ، وهي روسيا ( يأجوج ومأجوج ) ، والعراق وإيران ( مادي وفارس وبابل وأشور ) ، كافة الدول ذات التوجه الإسلامي ، التي يسمونها بالراعية للإرهاب ( خوفا من إحياء الخلافة الإسلامية ) . والسؤال المطروح بعد الاطلاع على هذا التقرير : لماذا يشغل العراق المساحة الأكبر ، في مفردات صحيفة برتوكولات حكماء صهيون الجديدة ، المسمّاة بتقرير معهد واشنطن ؟! ونختم هذا الفصل ، بقول لظفر الإسلام خان صاحب كتاب ( تعاليم التلمود ) : وقد ساعدت كراهية بريطانيا العمياء ، وغدرها بالعرب والمسلمين ، ووجود النزعة الصليبية الخاطئة لدى البلدان الأوربية وأمريكا ، على نجاح المخططات الصهيونية وغزو البلدان العربية في الحرب العالمية الأولى ، فنرى القائد الفرنسي ( غورو ) الذي فتح دمشق يقول ، وقد وضع قدمه على قبر صلاح الدين : ها نحن قد عُدنا يا صلاح الدين ! ، والجنرال الإنجليزي ( اللنبي ) عند دخوله القدس ، يقول أمام كنيسة القيامة : اليوم ، انتهت الحروب الصليبية .
قال تعالى ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا ، الْيَهُودَ ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، …(82 المائدة ) صدق الله العظيم
جميع الحقوق محفوظة © 2005-2002,الوحدويون العرب
===================
لصهيونية المسيحية: انحراف سياسي
تحت عباءة دينية و"إسرائيل" هي المستفيد الأوحد
كتب: د. محمد السعيد إدريس
صحيفة الأهرام 22/5/2004
رغم الفجوة الهائلة بين رسالة الضمانات الأمريكية التي قدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون, ووعوده التي اعتبرت بمثابة "وعد بلفور" أمريكي للدولة الصهيونية وبين رسالة التطمينات التي قدمها الرئيس الأمريكي للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني التي أعاد فيها للتفاوض المباشر دوره في معالجة القضايا الخلافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين, فإن المنظمات الصهيونية الأمريكية صدمت بما اعتبرته تراجعاً أمريكياً ليس في الضمانات والوعود, ولكن في النهج الأمريكي, كما صدم أرييل شارون هو الآخر واضطر لإلغاء زيارته التي كان سيقوم بها لواشنطن مبرراً ذلك برفض حزب الليكود لخطته الخاصة بالانسحاب من قطاع غزة.
لقد كان جوهر الاهتمام الإسرائيلي, وكذلك المنظمات الصهيونية الأمريكية طيلة الأسابيع الماضية التي أعقبت وعود الرئيس بوش لشارون متركزاً ليس على الوعود والضمانات رغم خطورتها الشديدة من المنظور العربي, ولكن على النهج الأمريكي الجديد في التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي الذي تلخص في استبدال سياسة الأمر الواقع كمحدد لما يسمي بـ"عملية السلام" بدلاً من قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي.
فالإسرائيليون يريدون فرض سياسة القوة والأمر الواقع واختلال موازين القوى الإقليمية لصالحهم كمعيار وكمحدد للتفاوض مع الفلسطينيين, بدلاً من قرارات الأمم المتحدة. تجلى ذلك عندما قال الرئيس الأمريكي في لقائه مع شارون بالبيت الأبيض: إن حدود عام 1949 لم تعد تعبر عن الأمر الواقع في إشارة إلى أن مطالب العرب بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 لم تعد مقبولة, وأنه بات من الضروري قبول العرب بأن تضم "إسرائيل" أجزاء من تلك الأراضي التي احتلتها عام 1967 إلى أراضيها بما يتوافق مع موازين القوى ومع متطلبات الأمن الإسرائيلي.
هذا التطور في الموقف الأمريكي هو الذي حظي بكل الاهتمام الإسرائيلي والصهيوني, لذلك حدثت لهم انتكاسة معنوية بل وصدمة قوية بالتطمينات التي قدمها الرئيس الأمريكي للملك عبد الله الثاني, وأعاد فيها التركيز على خريطة الطريق وأهمية التفاوض الثنائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وكرد فعل لهذه الصدمة نظمت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم اسم" المسيحيون الصهاينة" مظاهرة حاشدة تضامناً مع "إسرائيل" يوم الخميس (6 مايو 2004) خارج مبنى الكونجرس في العاصمة الأمريكية تم فيها عرض إحدى الحافلات الإسرائيلية التي دمرتها التفجيرات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال بيان منظمة "مسيحيون من أجل "إسرائيل"": إن أنشطة هذه المظاهرة تشمل إعلان يوم 6 من مايو يوماً قومياً للصلاة من أجل "إسرائيل" تستمر فيه المظاهرات والصلوات من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الرابعة بعد الظهر. وعقدت المظاهرات تحت عنوان: "الإرهاب, تذكرة في اتجاه واحد", وتم عرض إحدى الحافلات المحترقة التي قالوا إنها تم تفجيرها من قبل الفلسطينيين في "إسرائيل". وقال منظموا المظاهرة إن الحافلة رقم 19 ستعرض أمام مبنى الكونجرس وستبقى هناك للعرض طوال شهر مايو ليشاهدها الجمهور الأمريكي الذي يقبل على هذه المنطقة السياحية بكثافة في شهور الصيف.
وقال المتظاهرون في بيان لهم: نحن المسيحيون الصهاينة.. مهمتنا حث الدعم لدولة "إسرائيل" والشعب اليهودي عن طريق الصلوات وعن طريق العمل الجاد وفق مشيئة وكلمة الرب.. إننا نريد أن يتفهم الآخرون قلب الرب وأغراضه من أجل اليهود وأن نحصل على الفهم الجديد للأصول اليهودية للعقيدة المسيحية".
ولحسن الحظ, وفي اليوم نفسه (6 مايو 2004) عقد في القدس المحتلة مؤتمر دولي هو الخامس من نوعه لمركز بحثي اسمه" مركز السبيل للاهوت التحرر المسكوني" أكد على رفض التحالف المعاصر لمنظمات" الصهيونية المسيحية" وقادتها مع العناصر الأكثر تطرفاً في حكومات "إسرائيل" والولايات المتحدة والتي تسعى حالياً لفرض سياسة استباقية عسكرية أحادية الجانب على الآخرين في فلسطين والعراق, وذلك في البيان الختامي للمؤتمر الذي اختتم أعماله التي تواصلت لأربعة أيام في القدس ورام الله المحتلتين عن الصهيونية المسيحية وأبعادها ومخاطرها وتأثيرها في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وجاء في البيان أنه" كنتيجة لمذكرة التفاهم بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء الكيان أرييل شارون في الرابع عشر من الشهر الماضي, اتجهت الأزمة بين "إسرائيل" وفلسطين نحو مرحلة جديدة من القمع للشعب الفلسطيني, ما سيقود, لا محالة, إلى دائرة مفرغة من العنف والعنف المضاد, والذي ينتشر حالياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم. نرفض التعاليم الهرطوقية للصهيونية المسيحية التي تدعم السياسات المتطرفة والمساندة للاقتصارية العرقية والحروب المستمرة بدلاً من بشارة الحب والخلاص, والمصالحة للعالم أجمع التي نادى بها السيد المسيح في الإنجيل المقدس".
وأكد المؤتمر أن الصهيونية المسيحية حركة سياسية ولاهوتية حديثة, تتبنى أكثر المواقف الأيديولوجية الصهيونية تطرفاً, والتي تسيء للسلام العادل في الأرض المقدسة, وتصور هذه الحركة, بدعمها للصهيونية السياسية المعاصرة, الإنجيل وكأنه يتبنى أيديولوجية التسلط (حكم القيصر) والاستعمار والحرب, مشدداً على أن التصرفات أحادية الجانب للحكومة الإسرائيلية تتناقض مع القانون الدولي, وتنقض اتفاقيات السلام السابقة, كما ترفض مشاركة الفلسطينيين وتضع السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط في خطر مستمر.
وعبر المؤتمر عن استيائه لموافقة الولايات المتحدة وحكومات أخرى على إملاءات شـارون, ممـا يعيد تكرار الأخطاء التاريخية للإمبراطوريات الاستعمارية في الماضي, مثل وعد بلفور, معتبراً أن مثل هذه الإملاءات أحادية الجانب تثبت سياسة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم ومن حقوقهم الوطنية, وتواصل حرمانهم من حقوق الإنسان الأساسية.
قال تعالى ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا ، الْيَهُودَ ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، …(82 المائدة ) صدق الله العظيم
جميع الحقوق محفوظة © 2005-2002,الوحدويون العرب
===================
لصهيونية المسيحية: انحراف سياسي
تحت عباءة دينية و"إسرائيل" هي المستفيد الأوحد
كتب: د. محمد السعيد إدريس
صحيفة الأهرام 22/5/2004
رغم الفجوة الهائلة بين رسالة الضمانات الأمريكية التي قدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون, ووعوده التي اعتبرت بمثابة "وعد بلفور" أمريكي للدولة الصهيونية وبين رسالة التطمينات التي قدمها الرئيس الأمريكي للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني التي أعاد فيها للتفاوض المباشر دوره في معالجة القضايا الخلافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين, فإن المنظمات الصهيونية الأمريكية صدمت بما اعتبرته تراجعاً أمريكياً ليس في الضمانات والوعود, ولكن في النهج الأمريكي, كما صدم أرييل شارون هو الآخر واضطر لإلغاء زيارته التي كان سيقوم بها لواشنطن مبرراً ذلك برفض حزب الليكود لخطته الخاصة بالانسحاب من قطاع غزة.
لقد كان جوهر الاهتمام الإسرائيلي, وكذلك المنظمات الصهيونية الأمريكية طيلة الأسابيع الماضية التي أعقبت وعود الرئيس بوش لشارون متركزاً ليس على الوعود والضمانات رغم خطورتها الشديدة من المنظور العربي, ولكن على النهج الأمريكي الجديد في التعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي الذي تلخص في استبدال سياسة الأمر الواقع كمحدد لما يسمي بـ"عملية السلام" بدلاً من قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي.
فالإسرائيليون يريدون فرض سياسة القوة والأمر الواقع واختلال موازين القوى الإقليمية لصالحهم كمعيار وكمحدد للتفاوض مع الفلسطينيين, بدلاً من قرارات الأمم المتحدة. تجلى ذلك عندما قال الرئيس الأمريكي في لقائه مع شارون بالبيت الأبيض: إن حدود عام 1949 لم تعد تعبر عن الأمر الواقع في إشارة إلى أن مطالب العرب بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 لم تعد مقبولة, وأنه بات من الضروري قبول العرب بأن تضم "إسرائيل" أجزاء من تلك الأراضي التي احتلتها عام 1967 إلى أراضيها بما يتوافق مع موازين القوى ومع متطلبات الأمن الإسرائيلي.
هذا التطور في الموقف الأمريكي هو الذي حظي بكل الاهتمام الإسرائيلي والصهيوني, لذلك حدثت لهم انتكاسة معنوية بل وصدمة قوية بالتطمينات التي قدمها الرئيس الأمريكي للملك عبد الله الثاني, وأعاد فيها التركيز على خريطة الطريق وأهمية التفاوض الثنائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وكرد فعل لهذه الصدمة نظمت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم اسم" المسيحيون الصهاينة" مظاهرة حاشدة تضامناً مع "إسرائيل" يوم الخميس (6 مايو 2004) خارج مبنى الكونجرس في العاصمة الأمريكية تم فيها عرض إحدى الحافلات الإسرائيلية التي دمرتها التفجيرات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال بيان منظمة "مسيحيون من أجل "إسرائيل"": إن أنشطة هذه المظاهرة تشمل إعلان يوم 6 من مايو يوماً قومياً للصلاة من أجل "إسرائيل" تستمر فيه المظاهرات والصلوات من الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الرابعة بعد الظهر. وعقدت المظاهرات تحت عنوان: "الإرهاب, تذكرة في اتجاه واحد", وتم عرض إحدى الحافلات المحترقة التي قالوا إنها تم تفجيرها من قبل الفلسطينيين في "إسرائيل". وقال منظموا المظاهرة إن الحافلة رقم 19 ستعرض أمام مبنى الكونجرس وستبقى هناك للعرض طوال شهر مايو ليشاهدها الجمهور الأمريكي الذي يقبل على هذه المنطقة السياحية بكثافة في شهور الصيف.
وقال المتظاهرون في بيان لهم: نحن المسيحيون الصهاينة.. مهمتنا حث الدعم لدولة "إسرائيل" والشعب اليهودي عن طريق الصلوات وعن طريق العمل الجاد وفق مشيئة وكلمة الرب.. إننا نريد أن يتفهم الآخرون قلب الرب وأغراضه من أجل اليهود وأن نحصل على الفهم الجديد للأصول اليهودية للعقيدة المسيحية".
ولحسن الحظ, وفي اليوم نفسه (6 مايو 2004) عقد في القدس المحتلة مؤتمر دولي هو الخامس من نوعه لمركز بحثي اسمه" مركز السبيل للاهوت التحرر المسكوني" أكد على رفض التحالف المعاصر لمنظمات" الصهيونية المسيحية" وقادتها مع العناصر الأكثر تطرفاً في حكومات "إسرائيل" والولايات المتحدة والتي تسعى حالياً لفرض سياسة استباقية عسكرية أحادية الجانب على الآخرين في فلسطين والعراق, وذلك في البيان الختامي للمؤتمر الذي اختتم أعماله التي تواصلت لأربعة أيام في القدس ورام الله المحتلتين عن الصهيونية المسيحية وأبعادها ومخاطرها وتأثيرها في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وجاء في البيان أنه" كنتيجة لمذكرة التفاهم بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس وزراء الكيان أرييل شارون في الرابع عشر من الشهر الماضي, اتجهت الأزمة بين "إسرائيل" وفلسطين نحو مرحلة جديدة من القمع للشعب الفلسطيني, ما سيقود, لا محالة, إلى دائرة مفرغة من العنف والعنف المضاد, والذي ينتشر حالياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم. نرفض التعاليم الهرطوقية للصهيونية المسيحية التي تدعم السياسات المتطرفة والمساندة للاقتصارية العرقية والحروب المستمرة بدلاً من بشارة الحب والخلاص, والمصالحة للعالم أجمع التي نادى بها السيد المسيح في الإنجيل المقدس".
وأكد المؤتمر أن الصهيونية المسيحية حركة سياسية ولاهوتية حديثة, تتبنى أكثر المواقف الأيديولوجية الصهيونية تطرفاً, والتي تسيء للسلام العادل في الأرض المقدسة, وتصور هذه الحركة, بدعمها للصهيونية السياسية المعاصرة, الإنجيل وكأنه يتبنى أيديولوجية التسلط (حكم القيصر) والاستعمار والحرب, مشدداً على أن التصرفات أحادية الجانب للحكومة الإسرائيلية تتناقض مع القانون الدولي, وتنقض اتفاقيات السلام السابقة, كما ترفض مشاركة الفلسطينيين وتضع السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط في خطر مستمر.
وعبر المؤتمر عن استيائه لموافقة الولايات المتحدة وحكومات أخرى على إملاءات شـارون, ممـا يعيد تكرار الأخطاء التاريخية للإمبراطوريات الاستعمارية في الماضي, مثل وعد بلفور, معتبراً أن مثل هذه الإملاءات أحادية الجانب تثبت سياسة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم ومن حقوقهم الوطنية, وتواصل حرمانهم من حقوق الإنسان الأساسية.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home